يعجب المرء كيف لقوى سياسية، قضت عقوداً من السنوات تنتظر بفارق الصبر استحقاقاً إنتخابياً كالذي تجري فعالياته الآن في السودان يضم كافة المستويات مركزية واقليمية وولائية، وتنفيذية وتشريعية يقرر فيها الناخب السوداني من يحكمه، وحين يحين أوانه وتحين ساعة الجد تبحث عن مزاج او مهرب! هذا هو – للأسف الشديد – حال عدد كبير من القوى السياسية السودانية يثير دهشة الناخبين السودانيين ويحولهم من ناخبين الى ناقمين عليهم!!، فالحركة الشعبية الشريك الرئيسي في السلطة، رغم الفرصة النادرة التي أتاحتها لها اتفاقية نيفاشا الموقعة في الع2009ام من سلطة وثروة و(شبه انفراد بالسلطة) في جنوب السودان خائفة ومتوجسة من الانتخابات ولا تزال تبحث عن (عطية مجانية) تجنبها مشاق خوض التجربة. القوى التقليدية المعروفة التي ظلت تدعي وصلها بمعاقل مضمونة لا تتبدل ولا تتغير، هي ايضاً خائفة لدرجة الذعر! بل ان هذه القوى لم تكتف باظهار ذعرها ولكنها سعت لدى جهات دولية واقليمية لمحاولة تأجيل الانتخابات وما سعيها لدى لجنة امبيكي الانموذج لهذه المحاولة حتى اضطر المؤتمر الوطني لقطع الطريق عليها حين قطع بأنه اذا كان الغرض من عقد اجتماع شامل برعاية لجنة امبيكي لكافة القوى السياسية هو مناقشة قضية تأجيل الانتخابات فإن الوطني لن يجلس لامر كهذا!! وما من شك أن القوى السياسية الخائفة هذه اصابها اليأس من ضغوط واشنطن التي قال موفدها الخاص اسكوت غرايشن بصريح العبارة ان الانتخابات يجب ان تقوم في موعدها! اننا من الممكن أن نأخذ في الحسبان المخاوف المتعلقة بالمناخ العام والقوانين المناسبة التي تحكم اللعبة ولكن هذا كله تم لأن من المستحيل أن تدعم الأممالمتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والجامعة العربية والاتحاد الافريقي قيام الانتخابات وتقرر ارسال مراقبين اذا لم تكن قد اقتنعت بأن المناخ مواتي والقوانين اللازمة جيدة وصالحة لاجراء العملية. اذن هذه القوى السياسية أزمتها تكمن في داخلها هي وحدها، فهي التي مطالبة بأن تقنع نفسها بضرورة خوض هذه الانتخابات، وهي التي عليها أن تجتهد وتكد وتشقى للحصول على أفضل مناخ، اذ كما قال ممثل الأمين العام السابق اشرف قاضي، فإنه ليست هنالك انتخابات مكتملة الجوانب بنسبة 100% والرجل قضى سنوات كافية في السودان لتجعله شاهداً على ما يجري وعلى ما تم، كما أنه شاهد على ظروف وأحوال في بلدان أخرى أفضل حالاً من السودان ومع ذلك لم يجري فيها الامر كما يجري بالجدية التي يجري بها في السودان، وهكذا فإن القوى السياسية السودانية في الواقع هي التي عليها أن تعرف موطن دائها وتعمل على معالجته، فقد فات أوان ما تشتهيه!