بالتاكيد ان نسخة الخرطوم التي بين أيدينا الان ليست هي الخرطوم العاصمة التي نتطلع اليها فالخرطوم التي نحلم بها هي ( خرطوم الأنفاق والجسور الطائرة حتي لا يحتاج سكانها أن ينفقوا الساعات الطوال أمام الصواني والتقاطعات وعند سفوح الجسور ومداخلها ومخارجها ولا يتلفون أعصابهم في ازدحام حركة المرور وتعقيداتها، اذ أن في بعض الأوقات نزحف الي الخرطوم زحف الفاتحين وندخلها كما يدخل الثوار والمناضلون، العاصمة التي نمني أنفسنا بها ليس بها غبار ولا (كتاحة) لأن أرضيات مدنها الثلاث موزعة بين الاسفلت والأرصفة والمسطحات الخضراء وهي بالضرورة خرطوم لا تشكو من مخلفات النفايات، وتراكم الاوساخ والانقاض. الخرطومالمدينة الفاضلة التي يجب أن تكون هي مدينة بلا (ستات شاي)، فبائعات الشاي وصانعات القهوة تكون قد استوعبتهن الخرطوم في مقاه جميلة تناثرت علي جنبات المدينة كما تتناثر الدرر والمجوهرات علي عقد نضيد بتدلي علي صدر المدينة، الخرطوم التي نريد، لا يثقل وسطها مستشفي ولا مطار ولاوورش ومحطات السكة الحديد. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: أين نحن من هذه الخرطوم التي ننشد ونتطلع؟ وكم بقي أمامنا من خطوات لنصل الي هذا الأنموذج ذي السبع نجوم؟ لكن قبل ذلك يفترض أن نتواضع علي عدد النجوم التي كانت علي خرطوم القرن المنصرم ولو تصالحنا مع انفسنا لقنا انها خرطوم كانت خالية من النجوم وكانت (تبيت القوا أمام الأفران ومحطات الوقود) وكان خيار المواطن يومئذ بين أن يصلي الفجر حاضرا في المسجد أو يضحي بالفجر ليظهر برغيفات لا يقمن صلبا! صحيح نحن الان نشكو من بطء نقل النفايات وسؤ ألياتها وفي المقابل الخرطوم التي تركها لنا السيد المهدي، لم ترق وتقو علي صناعة اليات نظافة سيئة، بل ان التفكير في النظافة بأتي بعد أن يجد الناس حاجتهم من الخبز والبنزين والغاز كانت تلك هي (خرطوم الطوابير بامتياز)، بكل ما تحمل كلمة طوابير من معاني الطوابير الذين يصطفون الان خلف أبواب المدينة يطلبون أصواتنا وان هم نجحوا سنهبط لا محالة الي خرطوم الطوابير بدلا من الذهاب الي الامام باتجاه الخرطوم التي ننشد. رايت أن أضع بين أيديكم نسختين من الخرطوم ، الخرطوم كما تركها لنا السيد الامام المهدي عام 1989م، ونسخة الخرطوم الأسطورة التي نبتغي غير ان بالامكان الزعم أن النسخة التي بين يدي الدكتور عبد الرحمن الخضر الان، ربما تكون خرطوم منتصف الطريق بين الخرطومين، الخرطوم تلك التي تثقل كاهل ذاكرتنا والخرطوم التي نحملها في لجنايا والأشواق وعليه يصبح بالامكان اذا توفرت ذات الارداة التي عبرنا بها الي هنا، أن نخلو بثبات الي صناعة عاصمة تليق بنا كأمة تتطلع الي النهضة والتحديق نحو الشمس والمقل النحاسية كما يقول الراحل مصطفي سند صاحب البحر القديم يرحمه الله. والذي يدعو الي التفاؤل والأمل، هو أن بد الاعمار لم ترفع يوما عن الخرطوم فاذا ما تجولت في كل الانحاء ستلحظ أن في بعض الجنبات تنشط عمليات الرصف، وفي بعضها الاخر تجري عمليات السفلته وأن ثلاثة جسور دفعة واحدة هي جسور الحلفاية وسوبا والدباسين يجري العمل فيها ليلاً ونهاراً، ويجب الاعتراف بأن عهدي المتعافي والخضر قد حفلا بانجازات باهرة في هذه الولاية القطر. لكننا في المقابل نطالب سلطات الولاية أن تذهب بقوة في عمليات الرصف والسفلتة والتشجير)، وأن تبذل جهوداً أكبر في عمليات مشروع النظافة ولا بد من صنعاء وان طال السفر. نقلا عن صحيفة الاهرام السودانية 23/3/2010م