نظرياً فإن المفاوضات التى دعا إليها مجلس الأمن الدولي بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال فى صلب القرار 2046 هي مفاوضات من أجل حل النزاع الدائر فى المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق بما يفضي الى سلام دائم فيها. أما من الناحية العملية فإن من الواضح أن مقصد القرار ومن كان وراءه هو فتح المجال لدخول المنظمات الأجنبية عبر المسار الإنساني الإغاثي من جهة؛ ومحاولة استجلاب قوات دولية للفصل بين المتنازعين من جهة أخرى على قرار ما جرى من قبل فى جنوب السودان وعلى غرار ما يجري الآن فى إقليم دارفور، إذ يبدو أن المجتمع الدولي تواق لتحويل السودان الى حقل دولي يعج بالمنظمات الأجنبية والقوات الدولية فى مسلسل مصادم للسيادة الوطنية لم يسبق له مثيل. وقد كان هذا الأمر واضحاً كالشمس فى جولة المفاوضات التى جرت مؤخراً فى أديس أبابا حيث تلاحظ الإصرار الغريب من قبل وفد القطاع على ضرورة التوصل لحل للقضية الإنسانية، إذ يبدو أن وفد القطاع كل همه وهدفه الأوحد أن يخرج بإتفاق يقضي بفتح مسارات وممرات إغاثة الى المناطق التى تضررت من الحرب. ويتجلى خبث هذا الوضع فى أن أحداً بالطبع لا يمكن أن يمانع فى إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها خاصة وأن هؤلاء المحتاجين ليسوا طرفاً فى الصراع وإنما هم ضحايا له بالدرجة الأولى ولهذا فإن قضية التفاوض مع القطاع ليست سوى غطاء دولي محكم لتمرير عمل سياسي مدبر على الأرض الغرض منه أساساً إضعاف الحكومة المركزية فى السودان لصالح الهامش والأطراف من جهة؛ وإدخال أكبر قدر ممكن من الأيادي والسحنات الأجنبية الى داخل البلاد. وفى الواقع إن من صاغوا القرار الدولي 2046 وضمنوا فيه هذا البند الملغوم -للمفارقات- هم الآن جزء مكمل وأساسي من عملية التفاوض حيث تلاحظ وجود المبعوث الأمريكي الخاص (بوث) فى مقر المفاوضات متابعاً لمجرياتها وفيما يبدو أيضاً محدداً لمساراتها؛ فالولايات المتحدة المتّهمة بإقحام هذا البند فى صلب القرار هي دون شك تسعى للاستفادة منه بأقصى حد ممكن، إذ انه يحقق لها وجوداً مستمراً فى الشأن السوداني من جانب، ويتيح لها أيضاً ممارسة القدر الذي تريده من الضغط على الحكومة السودانية خاصة وأن قضية النزاع بين الخرطوم وجوبا تبدو فى نهايتها ما لم تحدث مفاجآت. وعلى ذلك يمكن القول إن مفاوضات أديس أبابا بين قطاع الشمال والحكومة السودانية لا تعدو كونها مجرد عملية إلهاء متعمدة، فإذا ما ارتضى السودان قبول أطروحات قطاع الشمال المتعلقة بالقضايا الإنسانية – وهذا هو محور الموضوع كله– إن فى ذلك فرصة لواشنطن للاستفادة من هذا الوضع لإعادة تشكيل المنطقتين محل النزاع بما يوافق هواها؛ وإذا ما تعثرت المفاوضات ولم يستنّ التوصل الى حلول، فإن واشنطن تعيد ممارسة الضغط على الخرطوم بعصا القرار 2046 باعتباره قراراً دولياً ملزماً واجب التنفيذ. وهكذا فإن العملية برمتها تبدو مثل الشراك الخداعية التى جرت حياكتها بإحكام ووضعت بعناية فائقة فى مفترق طريق لابد من المرور به.