اذا كان صحيحا أن الدكتور خليل ابراهيم زعيم حركة العدل والمساواة لا يملك – من الاساس – رؤية سياسية معينة حين حمل السلاح وعاث فساداً في دارفور وألحق أضراراً فادحة بأهله وبني جلدته- وأن افتقاده لهذه الرؤي السياسية هو ما جعله – باستمرار برفض الجلوس للتفاوض ويغامر باستمرار أيضاً ظنا منه أنه قادر علي تغيير المعادلة السياسية في السودان لصالح حركته ويواجه مواجهات عسكرية شرسة للقضاء علي بقية الحركات الدارفورية المسلحة ليتخذ لنفسه وضعا خاصاً يجعله الزعيم الأوحد المتوج للاقليم علي غرار الحركة الشعبية في الجنوب. اذا كان الامر كذلك وهو الراجح لدي كثير من المراقبين فان هذا كله علي علاته وعلي سوئه ما كان ينبغي أن يحجب بصيرة د. خليل حين سنحت فرصة مفاوضات الدوحة فقد أدهش الرجل الكل بما طلته في التوصل لاتفاق وتقاعسه عن طي ملف دارفور بمماحكات عديمة المحتوي والجدوي حتي انقضي الأجل. فقد فات علي د. خليل عدد من الأمور التي لو انتبه لها لما وجد نفسه في الظروف التي هو فيها الان. أولها أن دخول وقت الاستحقاق الانتخابي يجعل الحكومة التي يتفاوض معها (حكومة تصريف أمور) وهي بهذه الصفة لا تملك قانوناً الحق في عقد اتفاقيات محلية أو دولية الي حين ظهور نتيجة الانتخابات ومن ثم تشكيل حكومة جديدة. وبالطبع لن يكون الوضع ساعتئذ كما هو الان لأن الحكومة المنتخبة المقبلة لن تكرر سيناريو تقسيم السلطة والثروة علي غرار نيفاشا لأن البلاد دخلت بالفعل مضمار التداول السلمي للسلطه ولا مجال بعدها للحصول علي سلطة وثروة خارج اطار التفويض الشعبي لأن واقع الانتخابات يشير الي أن مصدر السلطات هو الشعب وقد منح ثقته لمن اختارهم وهؤلاء ليسوا مفوضين لاقتسام كعكة السلطة مع من يريدوا. ثانياً: نسي د. خليل ايضاً وفات عليه أن ازمة دارفور عقب الانتخابات سوف تتراجع كثيراً جدا لبروز قضيه السودان الاستراتيجية الاولي وهي قضية الاستفتاء علي جنوب السودان فهذه القضية وسواء اختار الجنوب الوحدة أو الانفصال سوف تصبح في الفترة التي تلي الانتخابات وربما لسنوات قادمة هي وحدها الشغل الشاغل للجميع محلياً واقليمياً ودولياً لأن أي مال تؤول اليه قضية الاستفتاء سوف تصحبه مشاكل وتعقيدات تحتاج لمعالجات تستأثر بعقل السلطة المنتخبة الجديدة وسيكون من الصعب تماماً أن تأخذ أزمة دارفور حيزاً في ظل وضع كهذا. ثالثاً: اذا فاز الرئيس البشير بالرئاسة – فهذا هو الراجح حالياً- فان د. خليل سوف يجد نفسه في ورطة ازاء اختيار أهل دارفور للرئيس البشير بما يجعل ادعاء تمثيل خليل لأهل الاقليم أمراً كاذباً لا يعبر عن الحقيقة وحينها فان وزنه الحقيقي – مهما استخدم من قوة عسكرية- سوف يظل وزناً ضئيلاً لن يتيح له مكاسباً سياسية تستحق العناء. وهكذا فان د. خليل بدا بارعاً للغاية في الواقع بشأن وضع نفسه في موضع كهذا لن يقوده الا الي الفشل المحتوم والنهاية البائسة!!