ما من شك ان هناك واقعاً سياسياً جديداً فى السودان أفرزته العملية الانتخابية الأخيرة التى امتدت مراحلها طوال الأشهر القلية الماضية المنصرمة وانتهت باعلان النتيجة النهائية بعد ظهر الاثنين السادس والعشرين من ابريل 2010 . الواقع الجديد يتمثل فى وجود حكومة سودانية من أخمص قدم السودان حتى مفرق رأسه انتخبها السودانيون ومنحوها ثقتهم لتقود العمل السياسي والتشريعي لدورة تمتد لأربعة أعوام. و من المؤكد ان هذا الواقع المحصن دستورياً و قانونياً لم يكن متوفراً قبل هذا التاريخ حين كانت تجري عمليات التفاوض فى الدوحة و فى غير الدوحة بشأن حل أزمة دارفور ، فالذى كان يفاوض الحركات الدارفورية المسلحة بالأمس القريب ليس هو من يفاوضها الآن و إذا أردنا الدقة، فان التفويض القانوني للتفاوض هذه المرة أكبر أثراً مما سبق ،و مقاتلة حكومة مسنودة جماهيرياً بشرعية انتخابية ليس كمثل مقاتلة حكومة وحدة وطنية استندت على معطيات كانت على اية حال محل اختلاف .ولهذا فان من سوء طالع حركتي د. خليل و عبد الواحد إنهما تقاعستا وتماطلتا لسنوات مبددة مئات الفرص و السوانح لتأتي للتفاوض فى ظل واقع ليس مريحاً ولا مربحاً سياسياً لها ، فسواء فاوضت حكومة المؤتمر الوطني وحده بوصفه الفائز فى الانتخابات ، أو فاوضت حكومة ذات قاعدة عريضة ، فانها محكومة بفرص ضئيلة اقل مما كان متاحاً لها قبل ذلك . وقد صرح د.خليل عقب ظهور النتيجة بأن حركته لا تعترف بنتيجة الانتخابات ! ولكن د.خيل الذى من المؤكد ضعف موقفه وإزداد ضعفاً- لم يقل لماذا لا يعترف بنتيجة الانتخابات ؟ فان كان يدعي شمولها لاقليم دارفور الذى يقاتل من أجله كما يدعي فان الاقليم شارك و بفاعلية و اختار من اختار. و ان كان منساقاً وراء دعاوي التزوير فان القوى السياسية التى إبتدعت دعاوي التزوير تتجه هى نفسها للمشاركة فى الحكومة التى تقول انها جاءت بناء على عملية تزوير! ان من الواضح ان د. خليل يريد ان يخلق لحركته واقعاً جديدأ يصعب تصوره ، فالرجل اصبح الآن ضئيل الوزن عقب مشاركة أهل دارفور فى الانتخابات بمعزل عن حركته و الرجل الآن لا يملك حق إملاء المطالبات على حكومة منتخبة لها الحق و كل الحق فى رفض أطروحاته ، كما لا يمكنه – فى ظل واقع جديد – اللجوء الى جهة دولية او إقليمية لممارسة ضغوط لم يعد لها مكان ،و هكذا فان المفاوضات التى أفادنا مصدر عليم بالخارجية السودانية ستستأنف قريباً تبدو بمثابة أمر واقع حظوظ دكتور خليل السياسية فيه ضئيلة أو على الاقل ليست كما كان متوقعاً فى السابق ، فتقسيم السلطة والثروة الآن يختلف او ربما يصبح أمراً صعباً و فى نطاق ضيق ،كما ان د. خليل سوف (يحل ضيفاً سياسياً) له فقط حق الضيافة على الحكومة السودانية و لن يستطيع ممارسة دور الحكومة و المعارضة كشأن من سبقوه فالمعطيات الآن مختلفة . و لهذا فان المفاوضات ستجري ولن يستطيع الرجل مقاطعتها لأنه لا يملك خيارات كما ان قبوله لنتيجة الانتخابات أو عدم قبوله لها لن يغير من الأمر شيئاً !