اتهم حزب المؤتمر الوطني دول الترويكا (امريكا والنرويج وبريطانيا) بالتحيز لصالج الحركات المسلحة، الأمر الذي أثر سلباً على سير عملية الحوار الوطني التى تتبناها الدولة والقوى السياسية بالبلاد. و قال الدكتور مصطفي عثمان اسماعيل ان البيان الذي صدر من دول الترويكا أخيراً يتبنى منهج الحركات المتمردة منتقداً هذا المسلك الذي يعمل على عرقلة الحوار الوطني ويطيل أمد النزاع فى البلاد، موضحاً ان دول الترويكا تناقض نفسها بدفعها للحوار ودعمها الحركات المسلحة التى تصرعلى حمل السلاح والاستمرار فى الحرب. وطالب الدول الغربية بأن تكون جزء من الحل وليس الطرف الذي يؤجج الصراع. وتظهر حالة التواطؤ بين الحركات المسلحة ودول الترويكا عند كل (مفترق طرق) تمر به هذه الحركات المسلحة التى بات من المؤكد ارتباطها التوجيهي والعضوي بحركة دوران القرار السياسي الدولي. وهذه التجربة الاتباعية فى ادارة الصراعات السياسية انطلاقاً من ارضية (دول أخرى) قل ان تجد لها مثيلاً خارج الاطار الافريقي باعتبار ان التكوينات الحكومية فى معظم بلدانها تتبادل الادوار بين الحكم والتمرد. إلا انها في الحالة السودانية تختلف كثيراً فى كيفيات تعاطيها مع هذا القرار السياسي الدولي بحسب بعدها او قربها من هذه العواصم ذات التوجهات الايدلوجية او المنفعية المحضة، إلا انها لا تتحرر من أسرها. وبسؤال : لماذا تعول دول عظمى ولها تارخها العريض فى مجالات الديمقراطية والحقوق المدنية على حركات التمرد فى إحداث التغييرات السياسية فى البلدان التى لا يرغبون فى بقاء حكامها الحاليين؟.. هذا مع توفر قدر هائل من المعرفة الموثقة بأن تجارب الحكومات التى قامت على هذه الصيغة الانقلابية لا تفعل فى هذه البلدان سوى المزيد من تعميق الخلافات الوطنية الداخلية التى تجرها الى (الحضيض السياسي) . وذلك بالرغم من ان الحكومة بالسودان تطرح صيغة للحوار الوطني تعطي هذه الحركات كامل الحقوق فى طرح وجهات نظرها وبدائل لما هو قائم من سياسات بالبلاد، بالعكس من حالة التوجيه الفوقي الخارجية. قد يختلف موقع الرؤية والقدير بين شخص وآخر لعدالة القضية هذه أو تلك، ولكن لا يوجد اختلاف من اي نوع على ان القضايا الوطنية يجب ان يتم حلها بالداخل وفقاً للإتفاق المبدئي الذي يضمن سلامة ووحدة التراب الوطني. باعتبار ان إمساك دول الترويكا بملف الامن والسلام فى السودان هو مسبقاً يستهدف هذه الجغرافيا بالتجزئة والفصل كما حدث بجنوب السودان وتجري عملية إعادة السيناريو بالمنطقتين وإن تعدلت الصيغة عن السابق قليلاً. وليس من الدبلوماسية ان تتفجر الخطط والتكتيكات الجانبية التى يتبعها البعض عبر مصادر مفتوحة لتهديد أمن قومي لدولة ذات سيادة ولها وجودها السياسي والعسكري فى محيطها الاقليمي والدولي كما يحدث بالنسبة للسودان. عملية (إعادة تجميع صف الحركات المسلحة) وتعزيز قوتها على الارض وتنشيطها اعلامياً -ميديا وصحف- خطة قديمة مع اختلاف طفيف فى ما يتعلق بكيفيات إدارة المرحلة القادمة فى السودان. وهذا له تفسيره الواقعي بالخرطوم. وهل يكون الاهتمام الغربي بالحركات المسلحة فى هذا التوقيت بالتحديد انعكاساً لما حدث فعلاً من مواجهات مسلحة بينها وبين القوات الحكومة فى مناطق نزاع عديدة بالبلاد وكانت المحصلة النهائية ليست فى صالح هذه الحركات! بأن يكون هذا الدعم اللامحدود الذي تتلقاه الآن بعض الحركات جزءاً من عملية احلال سياسي دولي تشمل المنطقة ككل شمالها وجنوبها، باعتبار ان خيار الحوار الوطني يطيل عمر حكومة المشير البشير ويقويها هناك؟ والاختلافات التى حدثت على هذه الخطة القديمة تبدأ من أن الراي العام الدولي قد استدرك اخيراً ان ان الحلول الامنية الفقوية على طريقة دول الترويكا لا تأتي مكتملة فى نضجها ولا تطرح ثماراً تكون قابلة للحياة بعد رفع الدعم عنها. الخلاصة فى حال تصارع السودانيين فيما بينهم وعادوا للحوار او التفاوض دون ان يكون هناك (سوط ضغط يلهب ظهر هذا ويربت على ذاك) يكون بإمكانهم ان يتجاوزوا مرارات الماضي ويعودوا كما فعل الراحل قرنق للخرطوم. وكذلك فإن المجتمعات المحلية بمناطق النزاع نفسها انفتحت على حقيقة ان الاتفاقيات التى توقعها -عادة- حركات التمرد تأخذ بعضهم الى السلطة وتترك آثاراً سياسية واقتصادية تيعد انتاج الحرب فى مناطقهم بأشرس مما كان. ودول الترويكا ذات التاريخ الحافل بالحروب الاهلية والكونية خصوصاً واشنطن يستطيع اي باحث مبتدئ فيها ان يميز بين الموقع السياسي والاجتماعي لأيٍّ من تلك الحركات مقابل مواقف النخب والافراد فى المناطق التى تنشأ فيها. قطعاً، لا أحد يرغب فى استمرار الحرب الاهلية بالسودان، وكذلك لا يكون الحل العسكري مقبولاً من الناحية الاجتماعية إلا بالقدر الذي يمضن استمرار حياة الناس فى وضع سياسي بالغ التعقيد ينظر فيه قادة الحركات الى القصر فى الخرطوم. وحتى يكون التمرد من أجل مكاسب السلطة والجاه، يجب ان تعود المسميات الى أصولها، لأن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية تتحقق بالحوار والاحترام المتبادل بين مكونات الدولة، وهذا حدث بأمريكا (حروب الاتحاد) ويمكن ان يحدث هنا ايضاً. نقلا عن صحيفة الصحافة السودانية 29/6/2014م