بذلت إسرائيل خلال السنوات الماضية جهودا مكثفة لتحييد العملاق الصيني وربط مصالحه بتل أبيب من خلال صفقات عسكرية، وبيع شركات مدنية، وتنسيق متواصل، فالجميع يدرك حجم الدور الذي تلعبه بكين لدعم الحق العربي في المحافل الدولية وحجم الدعم والمساندة الذي قدمته لمصر وللعديد من الدول العربية على رأسها سوريا والعراق واليمن والجزائر، وحاليا السودان. بقى أن نشخص التوجهات الصينية الإقليمية بشكل سليم ونهييء الأجواء للعمل الجاد الذي سيكون له مردود سياسي مهم أيضا. تعارض المصالح والرؤى بين تل أبيب وبكين متجذر وأحدث مظاهره معاداة إسرائيل لثورة 30 يونيو ومساعيها لتشويهها على عكس الصين، لكن الملاحظ أن إسرائيل خطت خطوات واسعة في مساعيها لتجاوز هذه التناقضات من خلال المصالح التجارية التي تعد منذ عقود المفتاح الذهبي للولوج إلى تطبيع رسمي وشعبي مع بكين، خاصة أن غالبية الرأي العام الصيني نظر -ولا يزال - إلى إسرائيل باعتبارها دولة احتلال وعدوان. الجهود الإسرائيلية لتطبيع العلاقات مع الصين بدأت عام 1950 وسرعان ما تعرضت تلك الجهود لصدمة بعقد مؤتمر باندونج الذي قطع الطريق أمام محاولات إبرام علاقات دبلوماسية بين بكين وتل ابيب. حينما وقع العدوان الثلاثي انطلقت مظاهرات حاشدة ضد إسرائيل في الصين. ومع مبادرة السلام المصرية بدأت الصين تخفف من حدة مواقفها إزاء إسرائيل مقابل بيع الأخيرة في الثمانيات لأنظمة عسكرية متطورة للصين، وهو ما كان يتعارض مع طبيعة علاقة إسرائيل بواشنطنوبتايوان وهو ما يمكن تفسيره بنصائح بن جوريون الذي كان يتوقع أن تتحول الصين مستقبليا ل«قوى عظمى بدلا من الولاياتالمتحدة ذاتها»..وهو ما لا يمكن استبعاده في ظل تصريحات كبار المسئولين في الصين مؤخرا عن استعدادهم لدعم الروبل الروسي..وانتشاله من أزمته الطاحنة..مما ينم عن إمكانيات هائلة إذا وضعنا في الحسبان أن بكين في الوقت ذاته هي أكبر دائن للولايات بأذونات الخزانة. مناسبة الحديث هو بالطبع الأجواء المواتية لتطوير العلاقات مع الصين وصد محاولات الاختراق الإسرائيلية لأوساط الرأي العام وصانع القرار في بكين..والتي تتم على أكثر من صعيد على رأسها الاقتصادي والأكاديمي، وهو الهدف الذي قامت تل أبيب في سبيل تحقيقه مؤخرا لخفض مستوى التعاون السياسي بينها وبين تايوان. ويمكن للحكومة المصرية هنا أن تقود حاليا سلسلة من الاجراءات العملية والواقعية المرتكزة على لغة المصالح والأرقام على أن ترتكز تلك القرارات على النتائج الإيجابية لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للصين، وعلى تاريخ طويل من العلاقات الودية بين القاهرةوبكين، فإذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تظهر دوما بمظاهر الهيمنة والسيطرة والبطش في خطابها الخارجي وعلاقاتها الدولية نجد أن الصين أقل دولة من الدول دائمة العضوية استخداما لحق النقض (الفيتو). كما تعمد الصين بتواضع إلى توصيف ذاتها بأنها «دولة نامية». نتائج زيارات الرئيس الخارجية بما فيها الزيارة الأخيرة للصين يمكن تشبيهها بصفقة الأسلحة التشيكية في الخمسينات حين تأكدت القاهرة من أن واشنطن لن تسهم في بناء السد العالي وستظل تدعم إسرائيل بشكل سافر في عدوانها المتكرر، ويمكن ربط الزيارة بالتحالف التاريخي مع الإمارات والسعودية والكويت والبحرين ضد مخططات التقسيم والتفتيت الأمريكية، ثم زيارتين لروسيا كقائد عام ووزير للدفاع ثم كرئيس، وزيارة الصين التي بدأت منذ أيام. ونشير في هذا المضمار لمرتكزات وحقائق يجب ألا يغفلها أي دبلوماسي أو حتى رجل أعمال مصري يسعى لاستثمار الأجواء الإيجابية الحالية بين مصر والصين وتتمثل في: تأثير معاناة الصين من الاحتلال الياباني، وتأثير الحصار الغربي لسنوات طويلة، وطبيعة علاقاتها مع إيران التي تصل إلى حد التحالف، ومع السودان حيث أن للصين علاقات استراتيجية في مجال الطاقة والبترول، ومع اثيوبيا حيث ترتبط الصين بعلاقات اقتصادية وعسكرية متشعبة معها، وكل هذه المقدرات والعلاقات نتنافس مع إسرائيل حول استثمارها واستغلالها..بجانب علاقاتها المتميزة مع الجزائر أيضا. وهنا يجب أن ننتبه إلى أن الحساب العادي لعجز الميزان التجاري الصيني- المصري (لصالح الصين بمقدار 9 مليارات دولار) هو مؤشر مضلل لأنه لا يأخذ في الحسبان عدد السكان، ودخل الفرد المرتفع في الصين والذي يتيح لنا تصدير أضعاف الرقم الذي نصدره لها حاليا، مع ملاحظة ألا تظل النسبة الأكبر من الصادرات مواد خام. الاستثمار الأفضل لزيارة الرئيس يجب أن يستغل التاريخ للوصول إلى مستقبل أفضل..فالصين ليست لديها نوايا استعمارية ولا تضغط على العالم العربي بحكم علاقات خاصة مع إسرائيل -بعكس الولاياتالمتحدة- ولديها موارد هائلة، وهي أكبر دولة من حيث الأيدي العاملة ومن المنطقي أن نستدعي الصين لايجاد توازن بفتح الأبواب للاستثمار، وإيفاد آلاف المصريين الشباب للتدريب، ومزيد من التعاون الثقافي، فالشباب الصيني حاليا يعرف عن إسرائيل أكثر مما يعرفه عن مصر. فالطريق يبدأ بتسهيل عملية تأسيس الشركات لتلعب مصر دور «تاجر جملة» أو «المنصة والمعرض» صاحبة القيمة المضافة بتجميع بعض المكونات المصدرة لأوروبا ولافريقيا مع اضافة بعض المكونات المصرية بنسبة 30% مثلا..التعاون يمكن أن يفعل بشكل خاص بحكم تمتعنا على التصدير دون جمارك لأوروبا في إطار اتفاق «اليوروميد»، بالاضافة لما حولنا من أسواق واعدة . ويمكن أن يبدأ في مجالات الطاقة والنقل ومشروع قناة السويس الجديدة والتصنيع بدلا من تصدير المكونات كمادة خام. العلاقات الصينية الإسرائيلية حاليا تشهد جملة من التناقضات وتأثرت كثيرا بنكوص تل أبيب المتكرر عن توريد صفقات طائرات تجسس وقطع غيار، ومع ملاحظة أن حجم صادرات إسرائيل للصين يعادل تقريبا نفس حجم الصادرات المصرية للصين خلال عام 2013 ندرك أن الفرصة لا تزال متاحة لتصويب أخطاء الماضي. نحتاج للعملاق الصيني وهو كذلك في حاجة لنا، ومن الحصافة ألا نتركه نهبا للجانب الإسرائيلي. المصدر: الاهرام 25/12/2014م