أعلن المؤتمر الوطني ظهر أمس في مؤتمر صحفي محضور، مرشحيه في الدوائر الجغرافية والقوائم النسبية القومية وقوائم المرأة على المستوى القومي، كما أشهر عن اكتمال إجازة المرشحين على المستوى الولائي، وعقد البروفيسور إبراهيم غندور نائب رئيس الحزب للشؤون التنظيمية واحداً من أنجح وأهم المؤتمرات الصحفية وأكثرها سخونة وإثارة واستقطاباً للصحافيين والإعلاميين في السنوات الأخيرة. وتستحق تجربة المؤتمر الوطني التنظيمية وترتيبه لأموره واستعداداته للانتخابات، الإشادة قبل الدخول في قراءات دقيقة لقوائم مرشحيه ومنهجه في اختيارهم وانعكاسات ذلك على المشهد السياسي كله، وبهذه الخطوة قطع الحزب الحاكم ومعه تسعة عشر حزباً أخرى، نصف الطريق نحو الاستحقاق الانتخابي القادم، وهذه الممارسة الحزبية في كل جوانبها ومراحلها تستحق الاقتداء من الأحزاب الأخرى، لضمان تطور وتقدم الحركة السياسية السودانية نحو غاياتها الأساسية لبناء قاعدة صلبة للتبادل السلمي للسلطة وتقوية ركائز العملية الديمقراطية التي تبدأ أولاً من الحزب وكيفية بنائه. لكن مع ذلك كله وبرغم إشادتنا بتجربة المؤتمر الوطني، إلا أنه توجد ثمة ملاحظات واجبة الذكر في ما تم الإعلان عنه أمس، فالبروف غندور قال إن نسبة التجديد في الوجوه بلغت "53%" وهي نسبة ليست قليلة ولا ضئيلة، لكنها تمت كما هو واضح من الأسماء، في الدوائر الجغرافية مقرونة بالقوائم القومية والمرأة، على مستوى الصفين الثاني والثالث، ولم يحدث تغيير كبير في وجوه الصف الأول الذي حضر بقوة في القوائم المعلنة وقوائم المرأة. وقد حافظ الحزب كما هو واضح على موازنات دقيقة للغاية حفظت للصف الأول والقيادات التي قادت المرحلة الماضية وجودها ضمن المرشحين، ومن ثم في حال الفوز وجودهم تحت قبة البرلمان. وملاحظة أخرى أن الدافع الذي بسببه عدلت مواد الدستور في ما يتعلق بتعيين الولاة. وهو انتشار روح العصبية والقبلية والجهوية، الغي تماماً في الاختيار في الدوائر الجغرافية، ولم يجد الحزب الحاكم بدأ من مراعاة الانتماء القبلي فتقريباً جل الدوائر في الولايات عدا ولاية الخرطوم وفي مناطق نفوذ القبائل، جاء المرشحون من بطون وأفخاذ قبائلهم وعشائرهم، وهنا لابد من ذكر تجربة مهمة في انتخابات الديمقراطية الثالثة التي تظهر أهمية الأحزاب ودورها في تذويب الولاءات القبلية، أن المرشح الفائز في تلك الانتخابات عن دائرة مدينة الضعين عاصمة قبيلة الرزيقات لم يكن من القبيلة لا من بعيد أو من قريب، بل هو مواطن أصيل يسكن المدينة ومن قيادات حزب الأمة. فهل بعد ما يقارب الثلاثين عاماً من تلك الانتخابات يظل العامل القبلي بهذا الحضور القوي والضاغط..؟ ففي أغلب الدوائر الجغرافية التي تم فيها الاختيار وأعلنت أمس، رفرفت القبلية بجناحيها في مناطق نفوذها، ما يضيف بعداً مخيفاً لهذه الانتخابات، فغياب الاعتبارات الأخرى السياسية فيها والفكرية ومقتضيات الولاء الحزبي، ستتقهقر للوراء على أية حال ومهما كانت المبررات. ومن معايب ومثالب هذا الاختيار أن لجان المؤتمر الوطني لم تفحص مرشحيها بدقة، ففي الوقت الذي يسعى فيه الحزب لتوسيع المشاركة السياسية ومد مظلة الطيف السياسي، وقع من اختاروا القوائم في أخطاء قاتلة، مثل اختيار الأخ وشقيقته، الأخ في دائرة جغرافية والأخت في قائمة المرأة، أو الزوج وزوجته، أو الرجل وأبن عمه أو ابن خالته والأقارب والأصهار، فإذا كان المطلوب هو ترضية المجموعات السكانية فالذي حدث هو إرضاء للأسر الصغيرة على حساب الكيانات التي كان يمكن أن تقدم أشخاصاً آخرين يمثلون الطيف الواسع في داخلها. ومن خلال الأسئلة الساخنة التي وجهت للبروف غندور، وإجاباته المقنعة والذكية عليها، تتعرى الحقائق السياسية من ما يحجبها، فالأحزاب التي تقاطع الانتخابات وتخشى خوضها لا خيار لديها غير انتظار طويل قد لا ينتهي وستقول في نهاية الأمر "الصيف ضيعت اللبن" أما المؤتمر الوطني ونسبة لغياب التنافس الحقيقي لم يحسن في كل الأحوال قراءة الواقع أمامه وترك الولاة يعربدون في الكليات الشورية التي أعطت خيارات ضيقة وسيئة. نقلاً عن صحيفة الانتباهة 8/1/2015م