لو أن ما سبق وأن أورده الدكتور نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني والمسؤول التنظيمي في حزب المؤتمر الوطني في مؤتمره الصحفي – السبت الماضي – عن تضييق الحريات في جنوب السودان، وملاحقة القوى السياسية وغياب أي أثر للتحول الديمقراطي هناك، لو أن ما أورده د. نافع وضعناه في خانة الخلافات الناشبة بين الشريكين المؤتمر والحركة، فأين إذن بامكاننا أن نضع ما أوردته ست أحزاب جنوبية تعضيداً لما ساقه د. نافع، قالت فيه جميعها أن حكومة الجنوب لا تحتمل الديمقراطية ولا تؤمن بالحريات ولم تؤسس مطلقاً لأي بنية تحتية لممارسة سياسية راشدة تستصحب التحول والديمقراطي والحرية. فالأحزاب الجنوبية – وربما بعكس المؤتمر الوطني – هي المكتوبة أكثر من غيرها بممارسات الحركة الشعبية وهي لصيقة بهذه الممارسات، كما أنها وان كانت تسعى لمنافسة الحركة الشعبية، إلا أن بعضها ربما بدت لديه ميول للتحالف مع الحركة، ولهذا فحين يتحدث هؤلاء في منتدى مفتوح، وبالصوت العالي عن أنهم يواجهون ظلماً سياسياً وتضييقاً متعمداً من حكومة الجنوب، بل ومطاردات وملاحقات يتولاها جيشها الشعبي لإحكام السيطرة الأمنية على القوى السياسية فإن الأمر يصبح دليل إثبات قاطع على أن الحركة الشعبية الكثيرة الضجيج والحديث عن الحريات تعاني من ما يمكن وصفه بالشيزوفرينية السياسية بأن تتحدث بلسان، وتفعل بلسان آخر مختلفاً تماماً. وتجدر الاشارة هنا إلى أن المناخ البالغ السوء الذي أوجدته ممارسات الحركة الآن في الجنوب لا يصلح مطلقاً لقيام الانتخابات العامة، فهي تعيق الآن عمليات التسجيل الجارية للتمهيد للانتخابات وسجلت عدداً من المداهمات والخروقات لمراكز ومقار تسجيل، كما أنها تتجاهل دعوة المواطنين الى المسارعة بالتسجيل مع أن هذا واحداً من أهم مهامها، كما أن الحركة – بهذا السلوك – ربما تجعل مواطني الجنوب يزهدون في الإثنين – الانتخابات والاستفتاء – لأن مناخ الاختيار والحرية في الاختيار غير متوفر. ولا يدري أحد – طالما أن أحزاب الجنوب تعلم بهذا المناخ غير الديمقراطي في الجنوب – لماذا إذن تضامنت هذه الأحزاب الجنوبية مع نواب الحركة الشعبية في مقاطعة جلسات البرلمان؟ فالأمر هنا نفسه لا يخلو من تناقض لأن الحريات التي تقول الحركة الشعبية أنها تود ترسيخها ولهذا قاطعت البرلمان، هي – بلسان هذه الأحزاب الجنوبية – غير متوفرة أصلاً في الاقليم الجنوبي الذي تحكمه الحركة الشعبية، وكان من المنطقي والحال كهذي أن يتسق موقف هذه الأحزاب مع موقفها من الحريات في الجنوب. وعلى أية حال، فإن الحركة الشعبية تعرّت سياسياً وحقوقياً بما يكفي، مما يقتضي منها أن تعمل على مراجعة موقفها اذ أنه وكما يقول المثل العربي الشهير : ليس في كل مرة تسلم الجرة!!