في سياق إستهانته البالغة بالظروف الأمنية الخطيرة التي يعيشها حالياً الجنوب السوداني رغم أنه مقبل على مفترق طرق مفصلي ومصيري في مطلع العام المقبل ما بين الوحدة والانفصال، قال أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم ان الجنوبيين على الأرجح سيختارون الإنفصال، ومع أن أموم درج على ترديد هذا التصريح عشرات المرات في ظروف ومناسبات مختلفة إلا أنه في هذه المرة بالذات بدأ مستهيناً تماماً بما يجري في إقليمه، بل بدأ وكأنه يعيش في (كوكب دري آخر) لا صلة له بالاقليم، ذلك أن الاقليم الآن – وبالمخالفة لكل تاريخه الطويل لعقود طويلة خلت – يواجه تمرداً ضد نفسه!!، ففي الماضي كان التمرد يقع من جانب ثوار ومتمردين من الاقليم في مواجهة الشمال بأسره على اعتبار أن للإقليم – مجتمعاً – ظلامات وقضايا مهمة في مواجهة الشمال والمركز. الآن تغيرت المعادلة ان لم تكن اختلت واختلفت، فالحركة الشعبية التي خاضت حرباً ضروساً لحوالي عقدين من الزمان، وخلص تمردها في النهاية الى اتفاق سلام عمره الآن يربو على الخمس أعوام، تواجه الآن نتيجة لسياساتها الخاطئة تمرداً ضدها من داخل كابينتها القيادية ومن داخل غرفة التحكم الرئيسية، فالجنرال المتمرد جورج اطور كان قبل أسابيع فقط يترأس هيئة أركان الجيش الشعبي وهو بهذه الصفة يصعب التقليل من تمرده وطبيعة توجهاته، ومراهناته وحساباته فقادة الجيوش عادة لديهم من يأتمرون بأمرهم من مرؤوسيهم ويراهنون على معرفة جنودهم ومرؤوسيهم بهم وأطور دون شك وراؤه آلافاً من المؤيدين والا لما غامر هذه المغامرة في وقت كان بوسعه فيه أن يكتفي برتبته العسكرية الرفيعة وينعم بنعمائها ومزاياها. ومن المهم هنا – وهذا مكمن الخوف حقاً – أن نلاحظ انحدار أطور من إثنية الدينكا، بما يشير إلى أن الرجل (حسب حساباته جيداً). يُضاف الى ذلك فإن أطور تربطه صلة طبيعية بالقيادي لام أكول الذي أخرجته الحركة من القيادة ومن الوزارة – باسباب واهية – فخلقت منه عدواً لها دون مسوغ، ولهذا فمن الطبيعي أن ينضم هذا لذاك أو أن تصبح المصائب، كما يقولون – جامعة للمصابينا، فاذا أضفنا الى هذين الجنرال قبريال تانق المنحدر من النوير فإن المشهد يبدو صعباً على قيادة الحركة مواجهته دون خسائر فادحة للغاية فهؤلاء الثلاثة يكونون أكبر ثلاثة قبائل جنوبية اذ أن اطور من الدينكا، يليه قبريال تانق من النوير ثم د. لام أكول من الشلك. هذه المعطيات تشير الى أن الحركة في الواقع تتجه نحو تغيير حتمي – سلماً أو حرباً – لان الواقع المعاش والموقف الذي تواجهه يفرض ذلك فهناك استفتاء مآلاته خطيرة وصلت خطورتها حد ابداء ادارة الرئيس بوش مخاوفها البالغة مما اسمتها ابادة جماعية رهيبة ربما يشهدها الجنوب السوداني – اذا استقل – طوال السنوات الخمس المقبلة. كل هذا وأموم يصم اذنيه ويغلق عقله عن قراءة المواقع ويدلي بتصريحات استباقية عن الانفصال في حين ان المنطق يقول انه وفي ظل موقف كهذا فإن من الصعب التكهن بقيام الاستفتاء نفسه في موعده ناهيك عن نتائجه فالحركة مطالبة باخراج نفسها من ورطة التمرد الخطير الذي تواجهه ودفع استحقاقاته ومن ثم النظر من بعد ذلك في مستقبل اقليمها وحدة أو انفصالاً!!