بعضٌ مّما تعلمناه من حراك الإستعمار والتحرير أنّه يوم أن تتسلّم الدولة الوطنيّة شهادة ميلادها بيدها اليمنى, هو ذات اليوم الذى تتسلّم بيدها اليسرى شهادة قلاقلها الداخليّة... ولكنّ معظم الدول الوطنيّة يشغلها ما بيدها اليمنى عمّا بيدها اليسرى! كل الحركات المسلحة التى أنبتتها التربة السياسيّة للدولة الوطنيّة أوّل ما فعلته هو البحث عن أرض مجاورة لاقليمها... ترحب الدولة المجاورة بإيواء هذه الحركات المسلحة بحساباتها الخاصة... حتى تفاجأ الدولة التى أوت هذا الفصيل بالدولة الأخرى تطعنها ذات الطعنة فتأوى فصيلا من إنبات تربتها السياسيّة... وهكذا حتى يمتلئ هواء الأمن الاقليمى وأرض الجوار بملفات الإيواء! وبعد الإيواء والإيواء المضاد تبحث الحكومات عن حسن الجوار بين حبّات الرمل وحفيف الأشجار, ويتنادون للأمن الإقليمى فلا يجدون إستجابةً من غير حَمَلة الدكتوراة فى فض النزاع! عبد الله اوجلان الكردستانى دوّخ دولة تركيا بعملياته المنطلقة من الجبال والمستندة إلى مجال حيوى من دول الجوار... ودارت الأفلاك مع دوران الأيّام السياسيّة ففقد الجار والمجال الحيوى فانهزم فى الجبال وبعدها صار معتقلاً فى سجن بجزيرة بحريّة وحيداً وظهرت كردستان غير كردستانه التى حلم بها... ولم تعد قضيّة الأكراد غير أحد الملفات التى تتداولها أجهزة الاستخبارات فى المنطقة! الحركات المسلحة فى جنوب شرق آسيا وقعت يوماً ما فى هذا البئر, تأوى كمبوديا حركة فيتناميّة فتأوى فيتنام حركة كمبودية وبالمثل فى لاوس وبورما... حتى اشتكت الغابات والجبال الآسيوية من الحمولة المسلحة الزائدة, فشاع الزهد العام فى السلاح وحركاته والتقى هؤلاء واولئك فى منظمة جامعة: دول الآسيان! لعبت افريقيا ذات اللعبة, ودولها اليوم فى طريقها لاستيعاب الدرس... بأنّ لعبة الجوار والإيواء لعبة تلعبها اليوم فترتد عليها غداً ويتجرّع سمّها الجميع... وأنّ الترياق من السم هو الأمن الاقليمى وآداب حُسْن الجوار! حركة العدل والمساواة السودانيّة واحدة من هذه الحركات التى اعتمدت على الجبال والرمال والصحراء ومجال الجوار... فلمّا فقدت الجوار الحيوى فقدت الجبال والرمال... وأصبح أقصى ما يشغلها: فى أى فندق لأيّة دولة يقضى رئيسها ليلته!! نقلا عن صحيفة الرأي العام السودانية 24/5/2010م