على كثرة المؤشرات و الدلائل الدالة على اتجاه الحركة الشعبية نحو دفع الإقليم الجنوبي نحو الانفصال ، سواء بإنشاء جيش و جلب أسلحة ثقيلة و سلاح جو والوعد بإقامة قواعد أجنبية ، او إبرام عقود نفط مسبقة عبر وعود للشركات النفطية الغربية التى تتعطش لنفط الجنوب أو بالتحركات التى يقودها منذ أسابيع قادة الحركة و فى مقدمتهم أمينها العام باقان أموم فى نيويورك و واشنطن وأوروبا للتسويق لدولة الجنوب المرتقبة والحصول على اعترافات مسبقة تتضائل قيمتها طالما ان نتيجة الاستفتاء لا تزال مجهولة و تفصلنا عنها أشهر ليس سهلة ، على كثرة هذه المؤشرات فان الحركة الشعبية لم تدع تشكيل حكومة الجنوب يتم فى اطار عادي أو طبيعي دون ان تحشو بين ثناياه مؤشراً آخر . فعلاوة على مؤشر حشد من تصفهم بقادة الصف الاول فى وزارات الحكومة الإقليمية ، بعكس من دفعت بهم الى الحكومة المركزية الذين تعتبرهم من قادة الصف الثاني ،فإنها – لمفارقات قدر السلام وسخرياته – بدت حريصة على إنشاء وزارة جديدة تحت مسمي (وزارة تنفيذ اتفاق السلام) ! و المسمي دون أدني شك مثير للشفقة و تزداد الشفقة أكثر حين ندرك ان على رأس هذه الوزارة أمين عام الحركة باقان ، أكثر قادة الحركة الشعبية إثارة للمشاكل بشأن العملية السلمي أن لم يكن أكثرهم عرقلة لها بتصريحاته النارية غير المنضبطة ودعواته الصريحة المخالفة لاتفاق السلام بالانفصال. ان تنفيذ اتفاقية السلام بالطبع أمر ضروري و مهم ،ولهذا فان الطرفين- الوطني والحركة- وضعا له آليات واضحة أبرزها مؤسسة الرئاسة و اللجنة السياسية المشتركة و هيئة الاركان المشتركة و الجهاز التنفيذي و التشريعي و العديد من المؤسسات المشتركة بما يقطع الطريق على اي حاجة لإنشاء وزارة بهذا المعني. و من جانب ثاني فلربما أحسنا الظن بالحركة اذا كانت قد افترضت إنشاء هذه الوزارة فى بداية الشراكة فى العام 2005 حين أنشأت اول حكومة وحدة وطنية انتقالية، فلو كانت قد افترضت ذلك و سعت لقيام وزارة مشتركة بهذا المعني لقلنا ان الأمر فيه (حسن نية) و قدر من الجدية تقصده الحركة و تعنيه؛ ولكن الحركة أنشأت هذه الوزارة الآن فى ملابسات بالغة الغرابة ،فالوزير المكلف استبق قيام الوزارة بالدعوة الى الانفصال على نطاق واسع وانتزع اعترافات مسبقة بدولة الجنوب المرتقبة متجاوزاً بنود الاتفاقية و كافة الاعراف والتقاليد المحلية والدولية ،فكيف لوزير بهذه الصفات وهذه الخلفية ان يأتي على رأس وزارة تهدف لتنفيذ اتفاق السلام؟ ان من المؤكد ان الأمر فيه استهزاء واضح من جانب الحركة بقضية السلام نفسها، فهي كمن تشير الى انها تنشئ وزارة هدفها الاول هو إستكمال فصل الجنوب سلماً أو حرباً فلا الظروف تدعو لإنشاء الوزارة طالما ان هنالك مفوضية ستنشأ للإستفتاء ،ولا الوزير مقبول سياسياً لرعاية شئون السلام !