خدعة لا يتوفر لها أدنى قدر من الذكاء واحترام العقول، إستهوت هذه الأيام أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم. فالرجل قام بجولة في نيويورك وواشنطن وطفق من هناك يُلقي بتصريحات متتالية عن اعترافات يتلقاها باستمرار من دول دائمة العضوية بمجلس الأمن وأخرى مجاورة للسودان بدولة الجنوب المرتقبة!!. خدعة أموم هنا موجهة إلى البسطاء بالدرجة الأولى، وهو تكتيك معروف في أدبيات الشيوعيين لم يستطع أموم منه فكاكاً. الخدعة تتمثل في تصوير أموم للاستفتاء المزمع اجراؤه وكأنه (إجراء شكلي بحت)، وأن نتيجة محسوسة تماماً، وهذه الدول تقدم للجنوب السوداني – منذ الآن – اعترافات مسبقة شبيهة باعطاء (شيك علي بياض)! ومن المؤكد أن الامر غير ذلك تماماً، ذلك أن كافة الدول التي التقى أموم بمسؤوليها في نيويورك وواشنطن وغيرها من العواصم – وفي اطار التعامل الدبلوماسي المتعارف عليه – تقول أنه اذا قرر مواطنو الجنوب السوداني في الاستفتاء المرتقب اختيار الانفصال وانشاء دولة، فإن هذه الدول – احتراماً منها لارادة الجنوبيين – سوف تعترف بالدولة الوليدة. ومكمن خدعة أموم أنه يعمل على تلوين هذه التصريحات واكسابها (مذاقاً مختلفاً)، اذ أن من الطبيعي اذا أجرى الاستفتاء بطريقة صحيحة وشرعية وفقاً للقواعد المتبعة. فإن كافة دول العالم، دون الحاجة لاجراء دراسة أو تشاور سوف تعترف بالدولة الجديدة اذا كان مواطنوها قد اختاروا الانفصال، هذا الأمر ليس في حاجة الى (وعود مسبقة)، وبهذا فإن أموم يوحي للبسطاء أن هذه الدول إنما (تحرض وتشجع) الجنوبيين وترى أن من مصلحتهم الإنفصال. وينسى أموم أن الشمال السوداني نفسه اذا أجرى الاستفتاء بالطريقة النزيهة المحايدة وكانت نتيجة الانفصال سيكون أول المعترفين بدولة الجنوب الوليدة وهو في الواقع لا يملك خياراً آخراً! اذ من خطل الرأي والاستهزاء بالعقول الزعم أن الشمال لن يقبل بالدولة الجديدة، اذا كانت هي خيار الجنوبيين! ولعل أموم وامعاناً في تصوير الأمور وكأنها (باتت محسومة تماما لصالح الانفصال) حرص على إقحام الشقيقة مصر في الموضوع بما يوحي وكأن القاهرة نفسها – ولأمر ما – تدعم حالياً وبقوة انفصال الجنوب السوداني وتمنح اعترافها المسبق لهذه الدولة الجنوبية!! وبالطبع لا تنطلي هذه المخادعة على أحد، فموقف القاهرة وكل دول الجوار من وحدة السودان – مهما كانت مؤثرات خارجية – هو موقف معروف بصرف النظر عن الاسباب والمبررات، وأغلب الظن أن هذه الخدعة التي اوكلت الى أمين عام الحركة الشعبية مبعثها عرقلة جهود شركاء الحركة في المؤتمر الوطني في دعم الوحدة. ومن المؤكد أن الحركة (لخبرتها بمهارة شريكها الوطني) يساورها قلق بالغ ومخاوف لا حد لها من أن تفقد نتيجة الاستفتاء، وتتطاير أحلام الانفصال في الهواء وتضطر الحركة للعق جراحها والبكاء على الأطلال!!