خطوط واتجاهات متعددة وشديدة الجدية تجري على أساسها الحكومة السودانية معالجاتها لأزمة دارفور، ومع ذلك فإن قوى خارجية عديدة تستهين بذلك وتصف هذه المعالجات وكأنها (ملعقة سُكر) تتم اذابتها في محيط هادر!! ففي الدوحة على سبيل المثال تجري مناقشة كافة محاور ورؤى الأزمة بحيث ظل الوفد الحكومي مسلّحاً بأقصى درجات التفويض لإمضاء أي تسوية يتم التوصل اليها، ولم تكن هناك شروط مسبقة والقضايا نفسها مثار النزاع واضحة كالشمس لا تتجاوز قضايا المشاركة في السلطة والثروة ومعالجة قضايا النزوح واللجوء والتعويضات ثم قضايا التنمية والخدمات. وفي الخرطوم شهدنا كيف توسعت الحكومة المركزية في منح أهل دارفور أقصى صلاحيات وسلطات مركزية في وزارات مركزية سيادية بالغة الأهمية (المال والاقتصاد، العدل، التعليم) بحيث بلغ عدد الوزراء المنحدرين من دارفور عشرة بخلاف المستشارين والمساعدين وكبير مساعدي الرئيس وهي اشارة واضحة لا تحتاج لأدنى شرح على أن الحكومة المركزية أفسحت المجال تماماً لأهل دارفور – كما فعلت بالنسبة لأهل الجنوب من قبل – ليديروا شؤونهم عبر الوزارة المركزية لتتكامل مع جهود الولايات. وفي الولايات فإن حكام الولايات الدارفورية الثلاثة (شمال وجنوب وغرب دارفور) هم من أهل دارفور وقد تباروا في اختيار كفاءات نادرة (تكنوقراط ,اساتذة جامعات) لادارة شؤون الوزارات الولائية حتى ان ذلك أثار انتباه أهل دارفور الذين لم يصدقوا أنهم يحكمون إقليمهم بكفاءاتهم المحلية وبأهلهم وذويهم ويحكمون على المستوى المركزي ايضاً عبر وزارات سيادية وخدمية شديدة الأهمية. هذا الواقع كان جديراً بلفت إنتباه المراقبين والمتابعين للشأن الدارفوري فالإقليم الذي أثيرت أزمته وملأت الدنيا ضجيجاً لا تبدو أزمته بكل هذه الضخامة ولا كل هذه القتامة ومع ذلك فإن الحكومة المركزية وبعيداً عن أي ضغوط، أو مراعاة لخاطر خارجي، أرادت إيصال رسالة وطنية صادقة لأهل دارفور أوجزتها في أنهم يحكمون اقليمهم ويحكمون شؤون اقليمهم من الخرطوم ويشاركون في صياغة البرامج التنموية على المستوى المركزي ويباشرون المهام التنفيذية بأنفسهم وهي رسالة عميقة وبالغة الأثر والدلالة، لو كانت هنالك جهات منصفة ومخلصة لأدركت أن أزمة دارفور قد تم حل كل عناصر وتفكيكها تماماً. ويبقى من الضروري في هذا الصدد أن نشير الى أن الحركات الدارفورية المسلحة لا تزال تراهن على أمور تجاوزها أهل دارفور وهو ما يؤكد أنها تملك أجندات (غير بريئة) ولا تهم أهل دارفور في شئ!