أجمع العاملون في العمل العام السوداني على ضرورة الحوار وتوحيد المفاهيم وضرورة النظر بإيجابية للماضي عند الحديث عن وحدة السودان والفرص والتحديات التي باتت تواجه هذه الوحدة. كما أكدوا في ندوة أقامتها السفارة السودانية لدى الدوحة وأدارها د. أحمد المتعارض على ضرورة مواجهة ما أسمته الأستاذة مريم تكس بلعنة التحلل والصراعات السياسية والتدخل الخارجي وهي العوامل التي قادت السودان إلى ما هو عليه.. مشددين على ضرورة أن تلعب منظمات المجتمع المدني دورا في المرحلة لمقبلة لضمان وحدة السودان وعدم انفصال الجنوب. كان الأستاذ الدكتور عثمان البيلي استند في مداخلته التي ألقاها في الندوة على الواقع الجغرافي للسودان .. معتبرا أن السودان في الواقع هو وادي النيل وأنه يقع في منطقة هامة جغرافيا بما يعرف بالعالم القديم الذي قامت منه الحضارات وانتشرت فيما بعد في العالم كله. وأضاف البيلي أن السودان بهذا المنظور الجغرافي كالنهر يصب بأفرعه المختلفة من الجنوب وينحدر عبر الوادي وإذا كان الانحدار من الجنوب إلى الشمال والى الشرق والغرب وفي وسط هذا الوادي كانت الحضارات القديمة التي جاءت استجابة لما هو موجود في الطبيعة واستنادا لوجود الثروات. وقال إن بلاد النوبة التي عرفت بالتاريخ القديم تبدأ في أسوان في مصر ولكنها لا تنتهي في المديرية الشمالية بل تمتد إلى الجنوب مضيفا أن التصور التاريخي للممالك والحضارات والدول والسلطنات التي ظهرت في السودان كانت قاعدتها الحضارية تبدأ من جنوب السودان وتنتهي في الشمال في مصر. وأشار إلى أن حركة الإنسان السوداني في الواقع تمشي حول النهر حيث حدث التوحد وحصل تكوين السلطنة في سنار الذي كان بمثابة تجميع لكل المجموعات البشرية في السودان. وتطرق البيلي إلى مجيء الأتراك عبر مصر ثم قيام الاستعمار البريطاني في السودان ومن ثم حصولها على الاستقلال وعلاقة ذلك بحركة ووحدة الشعب السوداني التي اعتبرها ما زالت صالحة بالرغم من العقبات الكبيرة التي يواجهها السودان. وقال إننا نستطيع أن نتغلب على هذه الأوضاع الطارئة بالوحدة التي كانت هي الأساس مضيفا لا نستطيع أن نفهم تاريخ السودان الحديث بعد محمد علي إلى مرحلة الاستعمار دون أن نأخذ في الاعتبار حركة النهضة التي واجهت الاستعمار والغزاة حيث اشترك الجميع في الحركة المهدية التي واجهت الاستعمار في الشمال والغرب والجنوب وهي الوحدة التي تشكل النسيج الديموغرافي الذي يتمثل في كل المدن الكبرى في السودان. وطالب البيلي من يتحدثون عن وحدة السودان بأن يبحثوا عن التكوين الديمغرافي لجميع المدن لكبرى في السودان ليعلموا الحقيقية وقال نحن عندما ننظر في التاريخ لا نريد أن نعادي أو نحاكم بل أن نتعلم من التاريخ فمجموع حركة التاريخ في السودان هي الوحدة والتوحد والتلاقي وليس الانفصال. وأضاف : من الضروري أن تثبت هذه المفاهيم في أذهان الناس لمواجهة الوضع الطارئ الآن بهذه الثوابت السياسية. وأشار د. عثمان البيلي إلى أن السودان يواجه الآن ما يسمى بالاستفتاء وأن المسؤولية التي تقع على الطبقة المثقفة مسؤولية خطيرة جدا وعليها أن تكون موضوعية في طرحها للحاضر والمستقبل وأن تنظر للماضي بعين الإيجابيات في الماضي. وقال : إذا اتخذنا هذا المنهج وأوضحنا الصورة للناس سنصل إلى قناعة أنه ليس هناك أحسن من استمرار الوحدة فالانفصال خروج على حركة التاريخ وخروج على وحدة موجودة.. وما يقال من كلام إذا حصل الانفصال يكذبه الوجود الديمغرافي لكل المجموعات الكبرى الموجودة بالشمال قبل أن تكون في الجنوب. * الوحدة أسهل من الانفصال وتحدثت الأستاذة مريم عبد الرحمن تكس الكاتبة الصحفية ومديرة المركز الثقافي "اللحظة" بأم درمان في محور دور المجتمع المدني في السودان عن الحفاظ على وحدة البلاد عن ضرورة التواصل الفكري والوجداني بين المكونات المجتمعية كافة فيما يتعلق بالوحدة في السودان من خلال اللقاءات التثقيفية وتبادل الآراء والأفكار، معتبرة أن الاستفتاء في الجنوب مثل صدمة للشعب السوداني بغض النظر عن النتيجة التي يمكن أن تتحقق بعد إجرائه. ورأت أن هذا الاستفتاء أكبر تحد واجه المجتمع السوداني منذ الاستقلال. وأن من شأن توحيد المفاهيم عن طريق الحوار الإسهام في تحديد معنى الوحدة واستحقاقاتها، وتفعيل دور المجتمع المدني في محو الصورة التي ظلت طاغية على مشهده العام، وأيضا إعادة الاعتبار إلى مكوناته التي اتهمت سابقا بعدم المبالاة تجاه القضايا الكبرى التي يعيشها السودان، مذكرة بأنه في زمن الاستعمار البريطاني للسودان قبل عام 1956، كان الشعور الوطني كبيرا وحققت البلاد استقلالها بعدما أيقنت أنها أكبر قطر عربي ولديها من الإمكانات والثروات والخيرات الشيء الكثير. لكنها اعتبرت في الوقت نفسه أن السودان هو بلد مفارقات، فبعد الاستقلال مباشرة ظهرت الصراعات السياسية بين أبناء البلد الواحد، وحصل اختلاف وطني في مركز الدولة قبل أن تظهر مشكلة الصراع بين الشمال والجنوب، في الوقت الذي كان يجب فيه الانتباه إلى الأوضاع الداخلية والأخذ بعين الاعتبار أن ثلاثة أرباع الشعب السوداني هو مجتمع ريفي وغارق في الجهل وضعف التنمية. ووصفت تكس ما لحق بالسودان ب "لعنة التحلل في السودان"، ورأت أنها أنسب توصيف للحالة التي أصابت البلاد، وقالت إن الصراعات السياسية في الجنوب جاءت نتيجة نضال أهله من أجل الحقوق المدنية واحترام التطور الطبيعي للدولة الوطنية، وكذلك كان الأمر بالنسبة لأهالي دارفور، وهو أمر طبيعي في كلا الجهتين، وان اتفاق نيفاشا أرخ لمرحلة حفظت الدولة من الانهيار بعد صراع مجتمعي رهيب، وكل هذا لقي دعما عالميا كبيرا، وهو ما فرض على السودان أن ينظر من جديد لنفسه، ويسعى لتحقيق العزة والكرامة من دون أن يفرط في حقه في الوحدة. وطالبت تكس النخب الفكرية في السودان اليوم بما أسمته "الإحرام من جديد نحو الوطن"، والتفكير في التحديات التي يواجهها السودان وأبناؤه، كونه مستهدفا من الداخل والخارج.. معتبرة أن التدخل الخارجي أعاق الحوار والمسيرة الطبيعية لحل الخلافات بين أبناء البلد الواحد، وأحدث بلبلة وقضى على التراكم الطبيعي الذي يقوده المزيد من الوحدة، محذرة من التدخل الخارجي في تقرير مصير السودان الذي يعتمد على تقارير المبعوثين الخاصين الذين لديهم رؤية أقل ما توصف بها بأنها "متآمرة". كما دعت تكس إلى الاستفادة من التجارب السابقة وما انتهى إليه صراع صفوة المجتمع السوداني، وتحديد مقومات الوحدة، باعتبار أن المجتمع السوداني مجتمع شاب حيث أن 45% من أبنائه شباب، وتفعيل حوار الأجيال من أجل تسليم القيادة إلى هذا الجيل الصاعد الذي يراهن عليه الجميع من أجل إكمال مسار التنمية وإيصال السودان إلى المكانة التي يستحقها. وأهابت تكس بالسودانيين ضرورة حل المشاكل العالقة من خلال المؤسسات، بعد أن صارت قضية تقرير المصير عهدا دوليا، فالجنوبيون لديهم فرصة التصويت على مصيرهم، لكن على الشمال أن يقود حملة توضح لهم الاختيار الأصلح، باعتبار الوحدة أسهل من الانفصال، وعلى الشمال أيضا أن يكون الضامن لتحسين الأوضاع في الجنوب، وتوفير الشروط الموضوعية التي تمكن من إنهاء زمن طويل من المعاناة التي تعطلت معها كثير من المشاريع الحقيقية التي كانت ستغير حال سودان اليوم، وترتقي به الى مستوى أفضل إقليميا وعربيا. نقلاً عن صحيفة الحقيقة 6/7/2010م