أحداث الأسبوع المنصرم في الساحة السياسية السودانية، حفلت بعدة مؤشرات تؤكد تقدير العديد من الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي، لطبيعة التحديات الصعبة التي تواجه السودان بأسره، وليس حزبا واحدا أو عددا محدودا من الأحزاب. من بين هذه الأحداث، زيارة الرئيس عمر البشير الى بورتسودان التي دشن فيها عددا من المنشآت في القطاعين التنموي والخدمي بشرق السودان، وهي زيارة أكدت أن العمل من أجل معالجة مشاكل المواطنين بمختلف الأقاليم يشكل المدخل الصحيح لتجاوز أي نقاط سلبية على ساحة العمل السياسي، فالاهتمام بمشاكل الجماهير والعمل على إنفاذ خطط واقعية وجادة لتغيير وجه الحياة في كل ربوع السودان، يظل دائما هو المطلب الأساسي الذي يلتف حوله الجميع، في اطار السعي الى تنمية متوازنة وتوزيع عادل للثروة،وبذل الجهود لتعبيد الطريق الصحيح الى النماء والنهوض الاقتصادي. يضاف الى زيارة البشير الى الشرق، زيارة أخرى لنائبه علي عثمان محمد طه الى جوبا، حيث شارك مع النائب الأول للرئيس السوداني، سلفا كير ميارديت، في اجتماع مشترك ضم الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب، بجانب صندوق دعم الوحدة والشركات المنفذة لمشروعات الصندوق.وهي بدورها زيارة تحرك أسئلة التنمية .. لكنها في هذا السياق مرتبطة بالتطلع لتأكيد وحدة السودان عبر نهج عملي واقعي، يخاطب المواطنين في جنوب السودان عبر الانجاز الملموس بمساهمة اتحادية رئيسية، تبعث باحدى الرسائل المهمة على طريق جعل الوحدة جاذبة. إن العديد من التحليلات التي يحفل بها المشهد السياسي والاعلامي السوداني الآن ،تعلي من شأن التوافق كطريق لا طريق آخر سواه من أجل تمتين أواصر الوطن الواحد، عبر رؤية وطنية واقعية لا تفقد الأمل مطلقا في امكانية الحفاظ على وحدة السودان. وفي هذا الاتجاه، فانه يجدر بنا التنويه بالخطوة المهمة التي بادر بها الرئيس البشير من خلال توجيهه باطلاق سراح الزعيم المعارض د. حسن الترابي، الذي اعتقل لشهر ونصف دون أن يقدم الى القضاء. ومن المؤكد أن خطوة الافراج عن رئيس حزب «المؤتمر الشعبي» السوداني في هذا التوقيت، قد تعزز امكانية العودة الى منطلقات الحوار القومي البناء، بمشاركة كل القوى السياسية السودانية، التي لا ترضى بالبقاء صامتة، في وجه نذر التحديات التي تتجمع عواصفها،في أفق المشهد السياسي بالسودان . ان قدرا مهما من التفاؤل ينبعث الآن مجددا في الساحة السياسية السودانية، بامكانية ادارة حوار وطني عريض. ووسط الأفكار والخواطر المتشابكة المتعلقة بتطلعات الساحة السودانية لاجتياز الاختبار الصعب القادم، وهو اختبار (استفتاء تقرير مصير الجنوب)، يتجدد إلحاح الفكرة الداعية الى تعميق أسس المشاركة السياسية الحرة في تحولات القضايا السودانية المختلفة.ذلك أن أي توجه في المرحلة الراهنة لتعزيز الحريات، سياسيا واعلاميا، سوف يسهم في ازالة الكثير من الاحتقانات واشارات التوتر السياسي. بشأن هذه القضية السياسية أو تلك. ان تميز التفاعلات السياسية الراهنة بالجدية، يمثل صمام الأمان لتجاوز أي مخاطر تواجه السودان، لهذا فان المأمول هو أن تصفو النوايا وأن يخلص السياسيون جهودهم من أجل اقتراح وانفاذ الخطط والمعالجات المطلوبة للمشكلات المرتسمة الآن في الأفق، سواء تعلق الأمر بقضية دارفور أو بتحديات جعل الوحدة جاذبة. ان التطلع يتزايد حاليا لرؤية المزيد من الخطوات الجادة والمدروسة من قبل القوى السياسية كافة، باختلاف ألوان طيفها السياسي، فقضايا السودان تهم الجميع ومصيره في التوقيت الراهن - ايضا - يهم الجميع. ان المبادرات السياسية لتوافق وطني حقيق مطلوبة من الجميع، وربما يستشعر المراقب للشأن السوداني الآن أن هنالك ارهاصات بتحولات جذرية وعميقة في التعاطي مع قضايا العمل السياسي بكل ما يزخر به الواقع من تحديات. تحتاج الساحة السودانية الآن اكثر من أي وقت مضى الاتجاه الجاد الى اقرار صيغة تحالف وطني عريض لمجابهة المشكلات السياسية المطروحة .. ولا نعتقد بأن الصعاب الراهنة تستعصي على الارادة الوطنية القوية، فحين يستمد السياسيون قوتهم من قوة الارادة الشعبية التي تمثل تطلعات الأغلبية، فلن يعرفوا كلمة المستحيل. انه من الواضح حاليا ان العديد من القوى الحزبية في السودان تواصل حاليا تقديم أطروحاتها الخاصة للتعامل مع القضايا الكبيرة في المشهد السياسي.في الوقت ذاته فان رسوخ السياسات المبدئية من قبل هذه القوى الحزبية يعد هو المحك الرئيسي الذي يمنح خططها وتوجهاتها النجاح او الفشل، بقدر اقترابها او ابتعادها من حقائق الواقع وتطلعات الشعب. وما نرى أنه أمر مهم وسط هذه التداعيات كلها، يتمثل في ضرورة التمسك بالثوابت الأصيلة التي تبنتها الحركة الوطنية السودانية، منذ فترة النضال لتحقيق الاستقلال. ان من أهم ثوابت تجربة العمل السياسي الوطني في السودان احترام تجربة العمل السياسي التعددي الذي لا مجال فيه لمصادرة الحريات أو احتكار القرار من قبل أي فصيل أو حزب سياسي، ففي الديمقراطية يجدر بالجميع تذكر ان حدود حرية الفرد تنتهي عند حدود حرية الآخر. ونعتبر بأن قضية تعزيز خطوات التحول الديمقراطي في السودان تمثل نقطة جوهرية لا غنى عنها في كل اطروحات استكشاف واقرار واعتماد وانفاذ الحلول السياسية للمشاكل المختلفة التي تؤرق السياسيين الآن ومعهم الشارع السوداني العريض بتعدد الأفكار والتوجهات السياسية بداخله. المصدر:الوطنالقطرية 7/7/2010