علي الرغم من أن مؤشرات عديدة تتحدث عن عدم استقرار سيلف كل جنوب السودان في حال انفصاله بدولة مستقلة عن الشمال على خلفية التركيبة السياسية الحاكمة والقابضة بقوة على مفاصل السلطة والثروة والقوة العسكرية كما أن التركيبة الاثنية والقبلية التي تتأسس عليها فلسفة الحكم والسلطة بصورة عامة لها تأثيرها على مثل ذلك الحديث الداعي للانفصال، كما أن هناك نخباً جنوبية تسوق أهل الجنوب رغم أنوفهم لترديد شعارات الانفصال وهو ذات الحديث (الإثم) الذي تتحدث عنه مراكز البحوث والدراسات .. الغربية منها مما يعزز الغرض والقصد من وراء تلك الدعاوي ذات الغرض ..!! ولكن على الرغم من كل تلك المؤشرات التي يعددها بعض أبناء الجنوب إلا أن النفس (بتشديد النون) الذي يلامس أهداب جسمك يشعرك عن سير نحو الوحدة، وتلك هي رغبة سواد المواطنين بالجنوب فأين تكمن الأزمة في معالجة أمر الجنوب من خلال وجهة النظر الجنوبية نفسها، فقد أكدت قيادات جنوبية كثيرة على ضرورة أن تتوفر الإرادة الوطنية للقوي السياسية السودانية كافة (الجنوبية) و (الشمالية) على الحد السواء .. لتجنب البلاد مآلات الانفصال وتبني الفكر الوحدوي في جميع المنابر حتى شهر (يناير 2011( موعد الاستفتاء على حق تقرير المصير جنوب السودان، فقد جاء حديث خبراء الأمن والسياسة محذراً من مغبة التفريط في وحدة السودان، مشيرين إلى أن المواطن الجنوبي في حاجة ماسة لتبصيره بماهية الاستفتاء وآثاره على مختلف المناحي (الأمنية) و (الاقتصادية) و (الاجتماعية)، فقد اتهم رئيس الجبهة الديمقراطية لجنوب السودان (ديفيد ديشان) الحركة الشعبية بعدم الوضوح في الرؤية تجاه الوحدة والانفصال، فهي تتجاذبها تيارات لها منطلقات فكرية متباينة ومختلفة كلياً .. كل يعمل لتعزيز وجهة نظره عبر الشخصية الاعتبارية للحركة الشعبية، وقد فند دكتور (ديشان) ما ظل تردده بعض النخب الجنوبية عن وجودها ب(الدرجة الثانية) في المواطنة التي يقبع فيها المواطن الجنوبي بالدولة السودانية الموحدة.. فقال (الجنوبيون في ظل الوحدة ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية بل مواطنين كاملي الحقوق والواجبات) محذراً من أن يؤدي انفصال الجنوب إلى (صومال) آخر في المنطقة التي تتضرر بأسرها من جراء ذلك.! وأيضاً قد حذر المحلل السياسي (جون تاب) من أن يقود الانفصال إلى تمرد قد يكون الأعنف من الذي حدث بين الشمال والجنوب .. علي خلفية التباين الحاد القائم علي أساس القبلية والجهات الجنوبية المختلفة، وقد أشاروا إلى أن ثمن انفصال جنوب السودان عن شماله سيكون غالياً للجنوبيين الانفصاليين ويكلفهم التنازل عن بعض ثروة البترول للشمال، فالبترول تنقله خطوط تمر عبر أراضي الشمال وهذه الخطوط يمكن قطعها في شهر واحد اذا انفصل الجنوب بطريقة أحادية أو بطريقة غير سلسلة، وفي أحسن الأحوال ستكون كلفة نقله عبر الشمال مكلفة خصماً على عائداته، ولعل الكلفة العالية لعبور المشتقات البترولية عبر أراضي دولة أخري يجعل الدولة صاحبة الثروة البترولية خاضعة ولو بدرجة لما تمليه أو تطلبه دولة الممر .. وهذه الحالة تبدو بجلاء في حالة عبور الغاز الطبيعي (الروسي) عبر الأراضي (الجورجية) ..!! ولكن وحال الانفصال بكل هذا السوء .. لماذا هذا الذي يبدو عليه الواقع السياسي (علي الأقل) بجنوحه نحو أحاديث (الناشزين) من أبناء الجنوب.. فذلك سؤال يفرض نفسه بقوة أكبر..!! فهناك تيارات جنوبية تقف خلف تلك الدعاوي التي ترددها بعض الأصوات (الناشزة) كما تم وصفها من مراقبين كثر بالعالم، فتلك التيارات التي تعيش في أوروبا وأمريكا ولم يعرفوا ما هي مآلات الانفصال على الجنوب وأهله وعلي كل السودان .. إذن ماذا تريده تلك التيارات ومن يقف خلفها هي الأخرى في الغرب..؟! أهي جماعات ضغط تتبع لبعض اللوبيهات داخل النخب السياسية بتلك البلدان أم انها تعمل لصالح أجهزة مخابرات لا تريد للسودان ان يستقر لعامين متتابعين ..؟ جميعها أسئلة تتطلب إجابات عاجلة ... فالمعلوم أن المواطن يكتنز قدر من الود الرابط بينه وبين المواطن الشمالي، فهناك (رحم) وروابط) (دم) و (نسب) تكمل تلك الصورة المثالية بين الشعبين الذين باعدت بنهما السياسة (نظرياً)، بيد أن الواقع يقول بغير ما تتحدث عنه مراكز الدراسات والبحوث ويردده الخبراء ... ولكن يبقي التساؤل قائماً عن تلك النخب الجنوبية التي تؤجج دعاوي الانفصال وجعله خياراً تحشد له مسيرات تطالب به بمدن الجنوب بالرغم من الواقع على أرض الجنوب والذي يردده المواطن بأن الانفصال مصطلح لا يستسيغه ولا يقبله ولا يلقي له بالاً..!! نقلاً عن صحيفة الوفاق 13/7/2010م