مما يثير القلق الآن بشأن الساحة السياسية الجنوبية، الحراك الواسع لبعض القيادات الجنوبية الخارجة عن الاجماع الوطني، التي تروج لفكرة الانفصال، وترى أنه الفرصة الذهبية لخلق دولة للجنوبيين لها سيادتها وهويتها وحدودها الجغرافية.. يرى غلاة الانفصال أن البترول والثروات الاخرى الموجودة بأرض الجنوب هي المقومات الاساسية لقيام الدولة.. وتنسى أن هناك متطلبات أخرى مثل توفر الكوادر والنخب السياسية عالية الكفاءة، وخبراء في المجالات السياسية، والاعلامية، والثقافية، والفكرية، والمهنية، والدبلوماسية، الهوية الجنوبية ضرورية لبناء الدولة واستقرارها، واثبات وجودها بين منظومة ورابطة الدول العالمية مع ضرورة الاعتراف بها.. لكن الآن ما يدور في الساحة الجنوبية أن الرؤية غير واضحة، فالبرغم من أن اتجاه البوصلة يشير نحو الانفصال الا أن المؤشر يتذبذب احياناً، وفي حالة عدم ثباته، يمكن أن نقول أن القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات بين شريكي نيفاشا – المؤتمر الوطني والحركة الشعبية – من المحتمل أن يتمخض عنها حل آخر يبعد عن الجميع شبح الانفصال.. وسيكون الجنوب موجوداً تحت مظلة السودان الموحد، ولكن بمعطيات جديدة.. فالانسان الجنوبي حائر الآن بين حقوقه الاجتماعية والمطالب السياسية للنخب الجنوبية. إن الهوة الواسعة التي تفصل بين النخب الجنوبية والانسان الجنوبي البسيط، لا يمكن تضييقاً بالتصميم على الانفصال قبل اعطاء المواطن في الجنوب استحقاقاته واحتياجاته الضرورية، وتوفير العيش الكريم له، وابعاد شبح المرض والجوع والجهل عنه.. فهناك غياب كامل لثقافة الاتصال والمواصلة بين المواطن الجنوبي والنخب السياسية، فهي التي تقرر نيابة عنه كيف يكون شكل حياته ومستقبله المعيشي.. ولنا أن نسأل هنا.. ماذا استفاد الانسان الجنوبي طيلة السنوات الخمس الفائتة منذ أن تم التوقيع على اتفاق نيفاشا؟ وكم عدد المشروعات التنموية والخدمية التي قامت في الجنوب، وماذا عن مشروعات البنية التحتية؟ وبالرغم من وجود هذا الزخم السياسي وتشبع الجو الجنوبي بهاجس الانفصال في عواصمالولايات الجنوبية للسير تجاه الانفصال، فهناك شعاعات من نور بدأت تظهر من وراء الافق لجعل الوحدة الخيار الذي يسبق الخيارات الأخرى، لأنها تصب في مصلحة الجنوب والانسان الجنوبي.. وبالرغم مما نسمع من تصريحات من بعض النخب السياسية الجنوبية للتبشير بالانفصال عبر الصحف والبرامج التلفزيونية والفضائيات، تبرز أصوات تتحدث عن مزايا الوحدة ومخاطر الانفصال. ان من حق القيادات السياسية الجنوبية أن تفكر وترسم السياسات والبرامج من اجل تنمية الجنوب وانسانه، وتوفير الحياة الكريمة والرغدة لبني جلدتهم.. لكن أن يأتي ذلك عبر السير في الاتجاه المعاكس لمقابلة المزيد من المخاطر والتحديات، التي تعطل تحريك عجلة التنمية وتظلم الانسان، هذا المفهوم لا يقبله العقل وتداعياته لها تأثيرها السلبي على مستقبل الجنوب، واخطر من ذلك فإن ما يفعله بعض السياسيين الجنوبيين الذين يجنحون الى تنصيب أنفسهم كأوصياء على شعب الجنوب بأكمله، وهذه الجدلية لا تقبل الاستيعاب.. فأين موقع القبلية من هذا المفهوم؟ عموماً نقول : ان اتفاق نيفاشا دعا الى الوحدة كخيار افضل للجنوب.. لكن الاطماع الشخصية هي التي تجاهلت هذا المفهوم ونظرت الى أرض الجنوب من منظور عرقي وثقافي، يختلف عن بقية اقاليم السودان.. فليكن الاستفتاء نهاية المطاف، وليختر الجميع طريق الوحدة، لتنتهي كل هذه المناكفات والمزايدات السياسية، ولتبدأ بعد الوحدة سلسلة من الاصلاحات السياسية، والاتجاه بكل ثقل لاقامة مشروعات التنمية والبنية التحتية.. ولكي ينهض الجنوب لابد من تغيير نظرة القيادات الجنوبية، والابتعاد كلية عن العنصر الاجنبي الطامع في ثروات الجنوب.. فالوحدة هي البوتقة التي تنصهر فيها مصالح الجنوب، لذا وحتى الاستفتاء لابد أن يتبنى الجميع ثقافة السلام التي تسير نحو تحقيق الممكن، والابتعاد عن المخاطر ومقابلة التحديات. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة السودانية 14/7/2010م