"ليس مهماً القانون ، ولكن المهم إجراء الاستفتاء فى موعده".. بهذه العبارة ، وبقدر من الغلظة و الفظاظة التى عُرفت عنها، حاولت مندوبة الولاياتالمتحدة لدي مجلس الأمن (سوزان رايس) حسم حوار جري بينها و بين رئيس مفوضية استفتاء جنوب السودان البروفسير محمد إبراهيم خليل ، غير ان البروفسير خليل أصرَّ على التأكيد على ان مفوضيته معنية قبل غيرها بمراعاة القانون واستيفاء شروطه. و ما من شك ان ما عبرت عنه السيدة رايس هو انعكاس لواقع الذهنية الأمريكية التى يصح وصفها بأنها تعاني (شيزوفرينيا سياسية) ، فالولاياتالمتحدة كثيرة الحديث عن الديمقراطية و تعتبر نفسها نموذجاً دولياً لهذه الديمقراطية ، وهى ايضاً تطارد العديد من دول العالم لدواعي هذه الديمقراطية و ضرورة مراعاة القوانين و حقوق الإنسان و المسلسل المطول من العبارات التى لم يعد لها معني ، وإذا ما اصطدم أمر ما بمصالحها ، فهي سرعان ما تضرب بالقوانين عرض الحائط. ولعل الشئ الغريب ان رايس أبدت عدم اهتمام بلادها بما ينص عليه قانون الاستفتاء و انها فقط تريد قيام الاستفتاء فى مواعيده! و وجه الغرابة هنا ان الاستفتاء بداهة لا يمكن ان يتم بدون قانون.- هذا أمر مستحيل ؛كما ان الأمر الثاني ان الاستفتاء يتحدد قيامه من عدمه من واقع الجداول و الإجراءات – التى ينص عليها القانون – والمراحل التى تسبقه ، ولهذا فان الموعد المحدد فى اتفاقية السلام لم تعتبره اتفاقية السلام موعداً مقدساً ، وإنما هو موعد شأنه شأن سائر المواعيد المنصوص عليها فى اتفاقية السلام ، قابل للتأخير والتقديم بحسب الأحوال المهم هو الوفاء بالبند فى حد ذاته، و يتجلي سوء نية واشنطن هنا فى أنها تحرص على مواعيد الاستفتاء- و هو نص سياسي – فى حين أنها تتجاهل قواعد تنظيم هذا الاستفتاء و هى نصوص قانونية و يعرف سائر فقهاء القانون فى العالم مبدأً قانونياً سيّاراً مفاده ان (الخاص يقيد العام) . الأمر الثالث هو أن رايس بمجاهرتها للشخص المسئول عن الاستفتاء بعدم اهتمامها بالقانون حين قالت (ليس مهماً القانون) ؛ إنما سلبت نفسها حق الاحتجاج بالقانون اذا استدعي الأمر الاحتجاج بأي إجراء مخالف للقانون ،لأنها سلفاً قالت ان القانون لا يمثل أهمية بالنسبة لها. و اخيراً فان واشنطن – بهذا المسلك – تخالف تصريحات سابقة لنائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن) الذى نُقلت عنه تصريحات فى العام الماضي قال فيها ان بلاده تركز فقط على ضرورة ان يكون استفتاء الجنوب (حراً و نزيهاً و شفافاً) ، وبالطبع الفرق شاسع بين تصريحات لنائب الرئيس و تصريحات لموظفة بمستوي دبلوماسية فى المنظمة الدولية! و يبدو أن رايس تشطب تصريحات للرجل الثاني فى الإدارة و الأمريكية ولا تبالي !