إعتقد الكثيرون حين أعلن السيد أركو مناوي أحد أبرز الموقعين على اتفاق أبوجا 2006عن إعتزامه العودة الى الخرطوم قادماً من جوبا فى العشرين من يناير الجاري ، أن الرجل قد عقد (اتفاقاً جديداً) بهذا الصدد و أنه وجد عروضاً سياسية أفضل، أو أن خلافاته التى دفعت به للخروج الى جوبا قد زالت ؛ غير أن الأمر ما لبث ان أصبح مدهشاً حين قال الدكتور غازي صلاح الدين ، مستشار الرئيس البشير و المسئول المختص بملف دارفور أن أحداً لم يلتق مناوي عقب ذهابه الى جوبا ، و من ثم لم تجر أى نقاشات أو مفاوضات جديدة، وأنه لو عاد - كما وعد - فى العشرين من هذا الشهر فسوف يجد ذات النقطة التى ثار حولها الخلاف ، و هى بند الترتيبات الأمنية فى انتظاره. ومن ثم فقد ثارت التساؤلات حول مترتبات هذا الموقف ، إذ من المعروف بداهة أن الدكتور غازي – على وجه الخصوص – يتمتع بقدر وافر من الصدق و الجدية، والحرص الشديد على وضع كل شئ فى محله ، و هى صفات أهلته بجدارة للإمساك بملف دارفور ، وتغيير النمط الذى أسبغه عليه الإعلام الغربي و الدعايات الواسعة النطاق التى أحاطت به . من جانب آخر ، فان أحداً لا يعرف مغزي (إدعاء) مناوي أنه عائد (بناء على تفاهمات مع الخرطوم) فى الوقت الذى فيه لم يجر أى تفاهم على اى مستوي وفقاً لما جزم به الدكتور غازي ، وخاصة و أنَّ من المستحيل تماماً ان يصرح غازي بما صرح به وهو يجهل لقاء ما ، أو محادثات ما أجرتها الحكومة و فاتت عليه أو لم يخطره بها أحد ؛ فالمسئول عن ملف دارفور حصرياً هو الدكتور غازي ، و من المستحيل ان تتجاوزه أحداثها على هذه الشاكلة . إن هنالك إذن افتراضات شتي بشأن ما قاله مناوي، إذ ربما أراد ان يمارس الوطني (تغطية خاصة) لموقفه، بموافقته على ما قال أنها تفاهمات جرت معه ، وأنه إنفاذاً لهذه التفاهمات قرر العودة . ذلك أن من البديهي أن الرجل لا يستطيع القول أنه عائد جرّاء قرار الطرد الذى تم تنفيذه فى مواجهته من قبل حكومة الجنوب و أنه (أُضطر صاغراً) للعودة الى ما كان قد تركه لأنه لم يجد خيارات أخري . هذه الفرضية تبدو راجحة ، خاصة وأن القيادي البارز بالحركة الشعبية أدوار لينو لم يترك فرصته لمناوي ، حيث قام بالتصريح بأن حكومة الجنوب شرعت فعلاً فى طرد متمردي دارفور من الجنوب ! و لعل مما يدعم هذه الفرضية تحديد ميناوي لتاريخ محدد للعودة ، وهو العشرين من يناير 2011 ، إذ أن قرارات الطرد عادة ما ترتبط بمواقيت . الافتراض الآخر ، أن مناوي ربما اجري اتصالاً هاتفياً بالفعل بمسئول فى الخرطوم و ابلغه بأنه عائد و رحب به المسئول الذى لا يمكن ان يقول له إبق حيث أنت..لا تأتي ! و انتهز مناوي هذا الاتصال و بني عليه ما قال إنها تفاهمات جرت ! و أخيراً ربما كان مناوي (يناور) فالرجل قليل خبرة فى السياسة و يريد أن يحرك ساكن قضيته التى عقَّدها بنفسه حتى يتسني له العودة فى خضم بحر متلاطم من الحديث عنه.. وعلى كلٍ فان أسوأ ما فى السياسي كما يقول أحد الأمثال الروسية ، أن تبصق على بئر قد تضطرك الظروف للعودة للشرب منها!