فى حوار أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط مؤخراً ، قال مني أركو مناوي رئيس الفصيل الموقع على اتفاق ابوجا 2006 و الذى يتواجد الآن فى جوبا بعدما أعلن موقفاً مغايراً لما وقع عليه في ابوجا ، قال إن الحركة الشعبية لم تطلب منه مغادرة جوبا ، وأعاد مناوي حديثه السابق عن (حوارات مطولة) أجرتها معه قيادات نافذة فى الحزب الوطني بشأن عودته ، ومضي مناوي لأكثر من ذلك ليقول (سنطالب بحق تقرير المصير لدارفور و لو أدي للانفصال)! و الواقع و حتى قبل أن نتعرض بالتحليل لما أورده ميناوي فى إفاداته هذه لابد ان نشير الى ان افادات مناوي بدت فى حد ذاتها معبرة بوضوح عن (حالة إستيئاس سياسي) شاقة يعانيها الرجل وصلت به إلى تمني الحصول على حق تقرير المصير على غرار ما حصلت عليه الحركة الشعبية فى الجنوب بكل ما فى هذه الإفادة من (تمنيات سياسية باتت عصية التحقق) , و ما ينتظره هو شخصياً من متاعب بعضها فى كيفية عودته لذات النقطة التى توقف فيها ، وبعضها فى كيفية معاجلة ما اعتور تنظيمه من مشاكل وصلت حد إقصاؤه – من قبل رفقائه عن القيادة! هذه هى فى الواقع الخلفية الصحيحة التى ينبغي على أساسها قراءة مواقف مناوي .و لهذا فإننا إذا أردنا التعمق فيما وراء ظاهر السطور ، فان احتماء الرجل بوجود اتصالات مع قيادات عليا فى الدولة هو أكبر دليل على ضعف موقفه ، فقد أكد المسئول الأوحد عن ملف دارفور بالدولة وهو بدرجة مستشار للرئيس ، د.غازي صلاح الدين ان الحكومة السودانية لم تجر أي اتصالات او حوارات مع مناوي بشأن عودته من عدمها ، ومن المعلوم أنّ د. غازي هو المختص بهذا الملف و من الصعب ان لم يكن من المستحيل ان يبادر اى مسئول آخر بمبادرة كهذه دون علم الدكتور غازي و لا ندري ماذا يضير مناوي و قد أصبح فى هذه المنطقة الضيقة المحرجة للكشف عن من يجري معه هذه الحوارات ، ففي مثل هذه المواقف فان مقتضيات المصداقية و تجلية الموقف تتطلب إبراز الحقيقة بكاملها ، إذ أننا حتى ولو افتراضنا جدلاً ان هنالك بالفعل من يحاور مناوي (سراً) كما زعم ، فان طبيعة خلافه مع الحكومة لا يقوم على شئ مهم للغاية لتتم إحاطته بهذه السرية ، فهو فقط رفض إنفاذ بند الترتيبات الأمنية ومن المستحيل أن يكون أمر كهذا أمراً سرياً تجري مناقشته فى الخفاء. من جانب ثانٍ فان أزمة مناوي لم تعد تقف فقط عند حد خلافه مع الحكومة بشأن الترتيبات الأمنية (التسريح و إعادة الدمج) ، ولكنها تفاقمت بداخل تنظيمه نفسه ، حيث أكد قادة التنظيم أنهم قرروا ألا يعود مناوي لسابق منصبه فى التنظيم ، وقال القيادي مصطفي تيراب إن (مناوي أخطأ تاريخياً و سيدفع ثمن خطؤه) .و قطع تيراب بأن مناوي لن يعود رئيساً للتنظيم لأن من يرتكب الأخطاء – بحسب تعبيره- لابد ان يتحمل تبعاتها! من جانب ثالث ، فان مناوي حتى ولو لم يُطلب منه مغادرة جوبا حالياً فان القرار واصله لا محالة ، حيث بات من المستحيل ان تتراجع الحركة عن قرار الطرد بعدما أصدرته قيادتها ، وأكد عليه القيادي أدوار لينو بشدة مؤخراً ، و يبدو ميناوي محاصراً الآن ما بين قرار بالطرد وشيك و صعوبة فى قيادته حركته من جديد فى ظل رفض رفقائه له ، وما بين (مشاكل مالية) تتراوح ما بين فساد مالي و محسوبية تنتظره فى تحقيقات تجريها لجنة مختصة بشأن ما جري فى السلطة الانتقالية التى كان يترأسها قبل تمرده الأخير!