تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    لأهلي في الجزيرة    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    شاهد بالفيديو.. "جيش واحد شعب واحد" تظاهرة ليلية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    وزير الخارجية : لا نمانع عودة مباحثات جدة وملتزمون بذلك    شاهد بالصورة والفيديو.. المودل آية أفرو تكشف ساقيها بشكل كامل وتستعرض جمالها ونظافة جسمها خلال جلسة "باديكير"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر يطلع على الخطة التاشيرية للموسم الزراعي بولاية القضارف    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    معظمهم نساء وأطفال 35 ألف قتيل : منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة    عقار يؤكد سعي الحكومة وحرصها على إيصال المساعدات الإنسانية    قرار بانهاء تكليف مفوض العون الانساني    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    ((نعم للدوري الممتاز)    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحوث: هل من أُفق؟ الغرب و الإسلام بين التعايش و المواجهة . . .

ورقة مقدّمة إلى ندوة الإسلام و المُستقبل التي نظّمتها جماعة الفكر و الثقافة الإسلامية بقاعة الشارقة، جامعة الخُرطوم 18 محرم 1428 الموافق السادس من فبراير 2007
ليس اكتشافا جديدا أن تتناوُل هذه الورقة العلاقة المركّبة، شيئا ما، بين الإسلام و الغرب. فهذا موضوع تفاعلي قديم، على الصعيدين المعرفي/الفكري من جهة و الوقائعي/التطبيقي من الجهة الأُخرى. غير أنّ التاريخ القديم الممتد لبحث موضوع العلاقة بين الإسلام و الغرب، صُعودا و هبوطا، تأزّما و انفراجا، تجاذبا و تنافُرا، يستند، بالضرورة على حيوية هذا الموضوع وانعكاسه تأثيرا مباشرا على الشأنين العام و الخاص في الفضاء الدولي العريض. و لهذا يكتسب عرض هذا الموضوع للتحاور، سيّما في هذه الندوة، أهميّة لا يُمكن، بل و لا ينبغي، أن تُستهون، أو أن يجعل منها ضجر الاستدامة طويلة الأجل على أجندة الرأي العام موضوعا غير مرغوب بحثه أو مُشاحا عنه.
و من هذا المُنطلق الأخير نشير، مُبتدءا، إلى استهداف هذه المساجلة تعريف هُويّة القطبين المعنيين، و التعرّف على مضامين و اتجاهات التفاعل المشترك بينهما، و من ثم، استكشاف ما إذا كان في الأفق من أمل في استعدال علاقة تدّعي المساجلة هذه كونها، في سياقها الأغلب، مأزومة على نحو متّسق.
ما الغربُ؟
المُنخرطون في الحوار حول الغرب و الإسلام ليسوا جميعا، و دائما، مستندين على قاعدة مفهومية متّفق عليها في تعريف القُطبين المعنيين. و بمعزل عن المقاصد النهائية، فالبيّن هو اكتناف مدلولي المفهومين خلطٌ و تعميم. و لكن من باب تأهيل المفهومين، و الانطلاق من قاعدة واسعة مشتركة في تعريف هُويتهما، لنقُل أنّ الغرب و الإسلام (مقصودا به مجتمع المسلمين) كلاهما جُملة أبعاد في الجُغرافيا و التاريخ و الثقافة و الوقائع فضلا عن كونهما تعبيرا عن هُويّات دينية بدرجة أو خلافها.
الجُغرافيا و التاريخ:
يمتدُ الغرب في فضاء جُغرافي كما يمتدّ في فضاء تاريخي، إذ ٍلهذه الكُتلة من الآدميين تاريخٌ مشترك تشكّل كسائر التواريخ. فهو يمتدّ جغرافيا عبر الأطلسي في كلّ من أوربّا و أميركا الشمالية، و في وقت لاحق، في أستراليا حيث انتقل غربيون بيض إلى ذلك الفج البعيد مثلما فعلوا صوب أميركا الشمالية الراهنة منذ نحو خمس قرون. و يصعُب أن تُصنّف أميركا اللاتينية بعقيدتها الكاثوليكية و ثقافتها اللاتينية و لغتيها الأسبانية و البرتغالية خارج الغرب بأبعاده المتكاملة جُغرافية و ثقافة و نماذج حياة، هذا إذا لم يكن التاريخ عاملا جامعا بينها و بين بقية أقاليم الفضاء الغربي.
الثقافة و الدين واللغة:
و الغرب حالة ثقافية تنتشر ما وراء المحيط الجُغرافي الغربي القديم، و من حيث هو تعبير ثقافي فالغرب دينيا يصطف في محور مسيحي يهودي ذي أثرٍ مكينٍ في تشكيل ثقافته و شأنيه العام و الخاص مقدار تأثير ثقافته العلمانية المنطلقة من مرجعية عالم الشهادة وحده. و من حيثُ هو هُويّة دينية فمن الموضوعي أن نرى، في إطار التعرّف عليه، تجليّات العامل الديني في الغرب في تشكيل محدّدات علاقات الغرب بالآخر الديني الثقافي. و أن نرى، في الوقت ذاته، التاريخ الغربي المتأثّر بالهوية الدينية المسيحية اليهودية للغرب، إذ يظل الدين عاملا غلابا في تشكيل هُويات الشُعوب و حقبها التاريخية. و بالرغم من تعدّد اللغات القومية بين شُعوب الغرب، إلا أنّ اللُغات المُتداولة في الغرب تجتمع في جذر واحد هو جذرها اللاتيني. و بالثقافة و اللُغة نستطيع أن نزعُم، بثقة كاملة، أنّ الغرب الثقافي يتجاوز حدود الغرب الجغرافي القديم إلى قلب أقاليم العالم الأُخرى. فغير قليل من النُخب المتعلّمة في عالم المسلمين مثلا يتماهون مع الهُوية الغربية بدرجة أو أُخرى. بل و يزرع الغرب، في بعض حالات الاستخدام المُتعسّف للقوّة السياسية العسكرية وجودا له خارج محيطيه الجغرافي و التاريخ مثلما نرى في نموذج دولة الكيان الصُهيوني (إسرائيل).
القُدرة:
و الغرب، من ثم، حزمة هُموم و مصالح و أشواق، ممّا يلزم تضمينه التعريف الكلّي الأشمل للهُويّة الغربية، بدلا عن اعتساف تعريف مُجتزأ إلى هذه الناحية أو تلك. و مصالح الغرب و همومه و أشواقه ترتبط، على نحو وثيق، بعامل القُدرة {Power}، اكتسابها و المحافظة عليها و تعزيز و توسيع قاعدتها. و كثيرا ما يبدُو أنّ العامل المحرّك للتاريخ الغربي، على نحو خاص، هو عامل القُدرة هذا أكثر ربّما ممّا تحرّكه الاعتبارات الدينية و الثقافية و الاقتصادية الخالصة. و القُدرة التي نقصد هُنا، كما عرّفها الراحل إدوارد سعيد[1]، هي حزمة متكاملة تدخُل في تشكيلها القدرة الثقافية و القدرة السياسية و القُدرة الاقتصادية و القُدرة العسكرية و القُدرة الاستراتيجية إلخ . . إلخ بما يكفل، في المحصّلة النهائية امتلاك استعداد فعلي للسيطرة و الإطباق.
و ما الإسلام؟
ومثلُ الغرب فالإسلام هويّة دينية تتمدّد في فضاء جُغرافي عريض، و يجمع شعوب أمُته تاريخ مُشترك، و ثقافة يجمعها إطارٌ كلّي فضفاض، و عواطف و مشاعر متبادلة و أشواق و شعورٌ بوُحدة المصير.
جُغرافية الإسلام و التاريخ المُشترك:
في جُغرافيته التقليدية فالعالم المُسلم هو الحوضُ المتمدّ من بلاد جاوا (أندونيسيا) إلى مراكش (المغرب) متمددا قليلا إلى شمال المتوسّط في وسط و شرقّي أوربّا حتّى رُوسيا و تخوم الصين، و يتمدّد جنوبا ليشمل غالب شعوب غرب إفريقيا و جنوبيّها. و كمسلمين يجمع بين شعوب الحوض الإسلامي المذكور تاريخ عريض مُشترك. و هو تاريخ ضارب في القِدم تجاوز بشعوب العالم المُسلم حدود القُطرية و القومية إلى تاريخ أمّة متعدّد الأقطار و الشُعوب.
الدين و الثقافة:
و الإسلام حالة دينيةٌ جامعة و إن تعدّدت مذاهب المُسلمين. و مع كونه دينا ضمن أديان سماوية أُخرى، فالرابطة الدينية الإسلامية ما زالت الأشدّ تماسكا بين بقية الأديان. و إن لم تجمع المُسلمين لغة واحدة بالرغم من موقع اللُغة العربية من الدين الإسلامي حيثُ نزل القرآن على رسول الإسلام باللغة العربية، إلا أنّ ثمة ثقافة إسلامية، على نحو أكيد، تتجاوز مسلمي الحوض المسلم القديم إلى داخل المحيط الجغرافي للغرب حيث انتقل جمهور متزايد من المسلمين للعيش، و اعتنق غربيّون غير مسلمين الإسلام.
رؤيةٌ و منهاج حياة:
و يتّفق سوادٌ غالبٌ من المُسلمين على كون الإسلام يمتلك رؤية مُتماسكة لعالمي الشهادة و الغيب. و يعتمدُ هؤلاء المُسلمون مرجعية تستند على قاعدة مشتركة أساسها الشهادة و الغيب معا، ما يُميزه عن رؤية أُخرى للعالم تعتمد مرجعية عالم الشهادة وحدها في التعامل مع الفضاء العام المُشترك بين الناس، تاركة الشخصي و الخاص للإنسان الفرد الذي إمّا أسس علاقة مع الإله أو الغيب أو غيّب مثل هذه العلاقة تماما لتتحد عنده مرجعيّات العام و الخاص بعيدا عن عالم الغيب.
أشواقُ بناء القُدرة:
و الإسلام، مع ذلك، همومٌ و مصالحٌ و أشواق، تجتمع لتصنع هويّته و واقع حاله. و بالتأكيد فليس موضوعيا تجريد المسلمين من أشواقهم المتعلّقة بامتلاك القُدرة، بأبعادها و مكوّناتها المتعدّدة على نحو ما عرّفنا آنفا. فمفهوم بناء القُدرة (القوّة) ركيزة راسخة من ركائز الإسلام، بل و فكرة حاضرة في مشروعات التيارات الإسلامية المختلفة منذ أوّل أيّام تاريخ الإسلام إلى أيامنا المُعاصرة هذه. و على خلفية تاريخ مسلمين صنعته حضارة إسلامية ضاربة في الجغرافيا و التاريخ و التأثير فإنّ أشواق بناء القُدرة تُوشك أن تُضحي حالة نفسية يتذرّع بها المسلمون اليوم أملا في حاضر و مستقبل زاهيين حضاريا بمثل ما كان أمس لهم تليد.
و إذ نكتفي بالإشارات أعلاه، مثالا لا حصرا، في محاولة استكشاف، و التعرّف على، هويّات القطبين: الإسلام و الغرب، لأغراض هذه المُساجلة، فإنّنا ننتقل، من ثم، إلى البحث في بعض وقائع التفاعل بين هذين القُطبين، انتهاءا باستكشاف الآفاق المستقبلية بين تحدّيي التعايُش و المواجهة.
ثُلث قرنٍ ملتهب
يستهلُّ، و يستدلُّ، غير قليل من الباحثين و المتابعين المعاصرين لحالة التفاعل بين الغرب و الإسلام، برصد تاريخه ربّما بدءا بالفردوس المفقود (الأندلس)، أو بحروب الفرنجة (الحروب الصليبية) أو بعلم الإستشراق في جذوره الإمبريالية الغالبة، أو بتاريخ إمبريالي ممتد منذ نحو من قرنين منصرمين، أو حتّى بنشأة دولة الكيان الصُهيوني و حروبه الدولية، فأقصر هذه الوقائع و السِيَر مدى زمانيا يمتدّ إلى تاريخ تليد.
و لكن من حيثُ أن ثمة تاريخا تليدا ممتدا للتفاعل، تعايشا و مواجهة بين الغرب و الإسلام، فلا داعٍ إلى عودة ممتدّة في أعماقه، لمصلحة هذه المساجلة، التي يستعرضها الكاتب أمام جمهور متابع، بدرجة وافية نسبيا، لتاريخ هذا التفاعل. و بينما يتميّز ثُلثُُ القرن الأخير بكونه أحد أشد دورات التفاعل بين القطبين حدّة و إثارة حيث احتشدت، و ما زالت تحتشد، بقضايا عاصفة، فإنّنا نستأذن القارئ/المُستمع، في هذا الاتّجاه، أن نُورد تاليا بعض وقائع التفاعل بين القُطبين في هذه الحقبة من التاريخ الجاري:
سلاحُ النفط 1973:
منهجيّا، و لدواع الاستقصاء و التفسير و التعليل، لنجعل بدايتنا من التفاعل الجاري، لنحو أكثر من ثُلث قرن الآن، بين القطبين: الإسلام و الغرب، على الأقل مُنذ حرب النفط المآزرة للمجهود السياسي و الحربي العربي/المُسلم في الحرب ضد دولة الكيان الصُهيوني على أثر اندلاع حرب أُكتوبر 1973. فالوجه الآخر للغرب الصناعي هو إمدادات النفط المُستدامة. غير أنّ قرار قادة الدُول العربية النفطية برفع أسعار النفط جاء بمثابة صدمة قويّة للوعي الغربي بالعرب و المُسلمين، ما أسفر عن إعادة تمثيل {Representation} العرب و المسلمين على هيئة تسفر عن عداء و استخفاف غربي بالعربي الذي صوّرته الصحافة الغربية حينئذ ثريّا كسولا مُتخما متبلد الحس و الذِهن[2]. و بالطبع لم تكن تِلك طُرفة عابرة مقدار ما كانت استنطاقا لموقف نفسي ذهني غربي تجاه العربي/المُسلم. و يجدُر أن نشير هُنا إلى تكرار تطابق صُورة العربي و المُسلم في التمثيلات الغربية للعرب و المُسلمين.
الإستشراق، وإستشراق إدوارد سعيد 1978:
من حيث هُو تقليد بحثي أكاديمي، يُمكن النظر إلى علم الاستشراق، بغزارته الكميّة و ثرائه المعرفي حالة نموذجية تُفصح عن كيفية تأسيس الغرب وعيا معرفيّا بالشرق (الذي هو الإسلام بشكل غالب). و الإستشراق بهذه الصفة حالة تفاعل معرفي من جهة الغرب حيال الإسلام.
لكن، من الجهة المُقابلة، جاء كتاب المفكّر الفلسطيني لإدوار سعيد كتابه: {Orientalism: Western conceptions of the Orient} ما يُمكن ترجمته بالعربية إلى (الإستشراق: تصورات غربية للشرق)، جاء من الناحية الفكرية/السياسية نقلة مهمّة في تشكيل وعي قطاع عريض من مثقّفي العالم المُسلم، بل و مثقّفي العالم غير الغربي في نطاقٍ أوسع، و مثقّفين غربيين، كذلك، بالهيئة التي تشكّل على هُداها وعي الغرب بالإسلام، على نحو خاص، من خلال المؤسّسة و التقليد الأكاديميين المسمّيين (الإستشراق). و بينما لا يحتاج القارئ/المستمع إلى تعريفه بعلم الاستشراق فإنّ سعيد زعم من خلال كتابه أنّ الغرب صنع للشرق (الإسلام) صورة على هواه (أي الغرب). و أنّ هذا الإصطناع جاء مقصودا لتكريس سيطرة الغرب و سُلطته على الشرق (الإسلام).
لقد فتح إستشراق سعيد، و لقد تُرجم الكتاب إلى أغلب لغات العالم الحيّة و أُعيد نشره مراتٍ عديدة، أفقا جديدا حول الأُسس المعرفية التي أنشأت تصوّر الغرب للشرق ممّا كان له أثُرٌ ضارب في تفاعل الغرب مع الشرق، و في تفكيك العناصر التكوينية للكيفية التي ينظر بها الغرب للآخر، و يتعامل معه على ضُوئها.
الثورة الإيرانية 1979:
شهدت هذه الحقبة الأخيرة من تاريخ التفاعُل بين الإسلام و الغرب تأسيس وعي بالقطبين لدى كليهما أعاد تأجيج أسباب و دوافع الخصومة و المواجهة، إلى حدّ لا يمكن إغماض الجفن دون رؤيته. أيقظ انتصار الملالي و تجّار البازار و المثقفين الملتزمين إسلاميا ضد الشاه رضا بهلوي الذي جسّدت الثورة حكمه كرمزية قوية لغرب مستكبر يتزعّمه شيطان أكبر هو الولايات المتّحدة الأميركية الوعي الغربي حول انتقال جديد في المشهد المُسلم المُعاصر هو ما أضحى يُسمّى الأُصولية الإسلامية أو الإسلام السياسي.
أخذت الثورة الإيرانية، من خلال وقائع سياساتها و مواقفها و تأثيراتها، تثير قلق الغرب من الأُصولية الإسلامية، أو الإسلام السياسي في وقتٍ تالٍ. و لقد ترتّب على تأثيرات الثورة الإسلامية الصاخبة على الوعي الغربي تجاه الإسلام، على نحو ما سنرى تاليا، بدايات انتقال المؤسسة الأكاديمية و الإعلامية و السياسية و الإستخبارية في الغرب تدريجيا من وصف الإسلام ب (الأصولية الإسلامية) إلى (الإرهاب الإسلامي)! و في رأينا فإنّ الثورة الإسلامية في إيران تُعتبر مفصلا رئيسا في تاريخ التفاعل المُعاصر بين الإسلام و الغرب. عند هذا المفصل أخذ التفاعل يجري على مسار فكري سياسي بائن بدلا عن التفاعلات التي ظلّت تجري إمّا على قاعدة دينية عسكرية كما في حالة الحروب الصليبية، مثلا، أو ثقافية معرفية، إلى حدّ كبير، مثلما نجد في نموذج الإستشراق، أو اقتصادية، حصريّا كما رأينا في حالة حرب النفط، و المشروع الإمبريالي إلى حد.
الرهائن الغربيون:
ضمن ما أسفرت عنه الثورة الإيرانية، و الاحتكاكات المباشرة التي نشأت بين الغرب و بين شرائح مختلفة من مجتمع المُسلمين بسببها، تعرّض أفراد غربيين من خلفيات متنوّعة إلى عمليات اختطاف أو ارتهان من قبل جماعات مسلمين في أكثر من عاصمة بلد مُسلم من طهران إلى بيروت. و بحكم مركزية المواطن الفرد في الثقافة الغربية و مايرتبط بذلك من حزمة حقوق و التزامات من الدولة و المُجتمع تجاه المواطن، قُوبلت حالات الخطف و الإرتهان مثل رهائن السفارة الأميركية في طهران الذين قضوا 444 يوما في الرهن، أو بعض الرهائن البريطانيين و الأميركيين في بيروت، تيري ويت مثلا، قُوبلت بتعاطف واسع، و مساندة من مختلف أجهزة الدولة و منظّمات المُجتمع المدني/الأهلي، و تغطية في أجهزة الإعلام مُترعة بالشحن العاطفي. و طبيعي أن يكون من شأن كلّ ذلك أن يُشكّل تصوّرا غربيا للإسلام يعزّز صورته كمنبع و مغذٍ للإرهاب، و هي الصورة التي أضحت تتعزّز مع الأيّام.
نهاية الحرب الباردة و العدو الجديد:
ثمة نظرية تدّعي أنّ القُطبية الثُنائية التي اكتملت صورتُها إبّان الحرب الباردة التي غادرت المشهد الدولي بنهاية ثمانينيات القرن الماضي حيث تفكّكت الدولة القاعدة للمشروع الشُيوعي (الإتّحاد السوفيتي)، عزّزت فكرة القطبين المتخاصمين ملمحا رئيسا للمشهد الدولي. و لمّا غاب، أو غُيّب القطب الثاني (الإتحاد السوفيتي) تاركا الكتلة الأطلسية (أوربّا و أميركا) منفردة بالمشهد الدولي، تدّعي النظرية أنّ هذا القُطب الوحيد طفِق يبحث عن خصم جديد. و تصوّر دراسات عديدة أنّ هذا العدو الجديد هو الإسلام[3].
إلى حدّ ذي دلالة اتّجه تركيز الكُتلة الأطلسية اليورو أميركية، حال مغادرة الحرب الباردة المسرح الدولي، إلى الشرق المُسلم مرّة أُخرى. و مُنذئذ، تعالت صيحات حرب الثقافات مرّة، و حرب الحضارات، مرّة أُخرى. و كُسِيت هذه الدعاوى لحما و سقيت شرايينها دما من زهو المشروع الغربي بانتصاره المدوّ على المشروع الاشتراكي الشُيوعي، إلى النحو الذي رأى معه مفكر أميركي هو فرانسيس فوكوياما أنّ التاريخ الإنساني بلغ نهاية الطريق بصناعة النموذج، و بإنتاج الإنسان الخاتم، حيث أضحت الديموقراطية على النموذج الغربي هي المثال النهائي للسياسة، و غدا إقتصاد السُوق هو نقطة نهاية النموذج الإقتصادي[4].
الآيات الشيطانية و أخواتها:
تزامن مع دُنو الحرب الباردة من نهاياتها، و تلا اكتمال أُفول شمسها أيضا، عددٌ من وقائع الصراع، من جهة الغرب، على المستوى الفكري العقدي ما كان مثيرا لحدّة ما سببته من إستفزاز للوجدان و الشعور المسلم. كتاب الآيات الشيطانية لسلمان رُشدي (1988)[5]، و فتوى الإمام الخُميني بإهدار دم المؤلّف[6]. و لقد أثارت الواقعتان، الآيات الشيطانية و الفتوى الصادرة بحقّ مؤلّفها، جدلا بلغ حدّ العُنف اللفظي و الاستهداف المتبادل بين أنصار رُشدي و خصومه في بعض مُدن أُوربّا. و نشطت، في تزامن مع ذلك، دعاوى الإنسجام الثقافي مستهدفة إنصهار المسلمين الوافدين من تخوم الإمبراطورية البريطانية من المستعمرات السابقة في شبه القارة الهندية و العالم العربي و جُزر الكاريبي، أو صهرهم في بوتقة الثقافة الغربية المستضيفة. و اندلعت في السياق ذاته حرب الحجاب، و من بعدُ، النقاب، و احتدمت لتتحوّل إلى معركة قانونية سيّما في نسختها الفرنسية.
و مع ذلك، تتالت الوقائع من داخل الحوض الغربي ممّا عدّه سوادٌ غالب من المُسلمين عملا مثيرا للإشمئزاز و الإستفزاز معا، من حيث مسّه، ربّما بسوء قصد و نيّة، لمقدّسات المُسلمين و مسلّمات دينهم. من ذلك نشر يلاندس بوستن الدانماركية بنشر أثني عشر رسما كاريكاتوريا ما أثار غضب المُسلمين فتحرّك بها الشارع المسلمين بمظاهرات غاضبة على امتداد العالم المسلم، بل و وسط مسلمي الغرب كذلك[7]. و في وقت لاحق، وصف بابا الفاتيكان الحالي، بنديكيت السادس عشر، في محاضرة ألقاها في جامعة ريجينسبيرج الألمانية، مقتبسا عن الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني قوله أن ليس ثمة جديد في الإسلام أتى به محمّد سوى ما هو شرير و غير إنساني، و أنّ محمّدا (صلى الله عليه و سلّم) نشر رسالته بحدّ السيف[8]. و لقد أثار ذلك المسلمين و حرّك احتجاجاتهم مثلما حدث كرد فعل على الرسوم الكاريكاتورية.
الحادي عشر من سبتمبر 2001:
يرى جمهورٌ عريضٌ من المهتمين و الباحثين أن حادثة الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 حيثُ وقع هجُومان غير تقليديين بالطيران إستهدفا كلا من مركز التجارة الدولي في واشنطن، الرامز إلى القوّة الاقتصادية الغربية، و مبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) في واشنطن الرامز إلى القوّة العسكرية الاستراتيجية الغربية، يرون أنها تمثُل نُقطة انطلاق جديدة، بالغة الأهمية، تؤرّخ لبلوغ العلاقة بين الطرفين مرحلة شديدة الاشتعال. كانت الدعوى الرئيسة هي أنّ متشدّدين مسلمين من تنظيم القاعدة، الذي يتزعّمه الشيخ أُسامة بن لادن، قاموا بتنفيذ ذينك الهجومين. و في أعقاب هذه الواقعة أخذت المواجهة شكلا رأسيا، تجاوزت مجرّد اعتماد الغرب صورة تربط الإسلام بالتخلّف و الوحشية و الفكر الإطلاقي {Absolutism} إلى إعلان الرئيس الأميركي الحالي، جورج بوش، تقسيم العالم إلى معسكرين: معسكرهم هُم، و معسكر الشر. و تلا ذلك إعلان حرب مباشرة أُستُهدفت بها مجتمعات بكاملها من المُسلمين بدءا بشرائح من المُسلمين الغربيين أو أولئك الذين أقاموا في الغرب لسبب أو آخر. و هي الظاهرة التي يطلق تُسمّى الإسلاموفوبيا {Islamo-phobia}، ليدشّن كلّ ذلك مرحلة جديدة من التفاعل باسم الحرب ضد الإرهاب {War against Terrorism}.
الحرب ضد الإرهاب:
لقد أسبغ الرئيس الأميركي جورج بُوش بُعدا صليبيا {Crusade} على حربه التي أعلنها ضد الإرهاب، و التي جاءت كمرحلة ثانية من المشروع الإمبريالي القديم. فالرسالة كانت في الحملة الإمبريالية الأُولى باسم تحضير شُعوب العالم المتخلّف {Civilizing Mission}، و هي هذه المرّة حرب ضد الإرهاب و مسبباته، خاصّة في بعديها الثقافي و السياسي ممثلين في الثقافات الأُصولية و الديكتاتورية على التتالي. و بينما نهض المستشرقون الأوربيون في القرنين التاسع عشر و العشرين الميلاديين لحياكة الثوب الفكري للمشروع الإمبريالي الأوّل، وقف في الجبهة الفكرية المساندة للحملة الإمبريالية الثانية المحافظون الجُدد {The New Cons} في واشنطن. و هي الحرب التي يراها جمهور عريض من المسلمين موجّهة ضدّهم، و مستهدفة لعقيدتهم من أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين المُحتلّة فضلا عن شرائح عريضة من مسلمي العالم المسلم القديم و المسلمين من مواطني الغرب الأوربي الأميركي.
أغرب بكامله ضد المسلمين، و مسلمون بلا استثناء ضد الغرب؟
تلك أمثلة و شواهد سُقناها، بتركيز على موقف الغرب ككتلة تمثّل القوّة الأعظم في حقبتنا الجارية هذه، لندّعي، في خاتمة هذا العرض أنّ السيرة الغالبة للتفاعل بين القُطبين: الغرب و الإسلام هي سيرة خصومة و مواجهة. و أنّ الغرب من جهته تحرّكه دوافع تعزيز قدرته في السيطرة على العالم، و أنّه يملك، بالفعل، من القُدرة ما أهّله للسيادة على العالم و إطباق سيطرته عليه. و أنّ المسلمين، بالتأكيد، تحرّكهم كذلك رغبة و أملٌ في امتلاك القُدرة التي تؤهّلهم للسيادة على العالم كذلك، و إن لم يكن ضروريا أن تكون السيادة على العالم لدى القطبين تحمل المعني ذاته، و الدلالة ذاتها.
أمّا و قد حدّدنا غلبة هذا المسار في التفاعل بين القُطبين فإنّ الحُكم على القُطبين بكونهما حالة واحدة متماسكة {Monolithic} فذلك إدعاءٌ باطل. فالإسلام يشهد بداخله أطيافا من التعدّد، ثقافيا و سياسيا و مذهبيا ما يجعل الحُكم على المسلمين جميعهم بالجُملة خطاً منهجيا و تحليليا[9]. أمّا الغرب فليس هو الآخر كُتلة واحدة صمّاء، بل ثمة تعدّد، سياسيا و ثقافيا و عقديّا، في الغرب يتجاوز، ربّما في بعض حالاته، ما يحتوي عليه عالم المُسلمين ذاته من تعدُّد. و لمّا كان ذلك كذلك، فكيف يحسُن أن نصنّف الغرب كلّه موقفا ضد الإسلام، و أن نصنّف مجتمع المُسلمين كلّه، في المُقابل، جُملة واحدة موقفا معارضا للغرب، مُواجها له؟
المؤسسة! في ظلّ تجذّر فكرة القُدرة و امتلاكها، و من ثم، استخدامها فإنّ الغرب المُسيطر راهنا يعتني، إلى ذلك، بحماية قاعدة القُدرة التي يمتلكها من خلال بناء عقل جمعي، ربّما على نحو غير نظامي {Informal} ما يسميه بعض الباحثين المؤسّسة {The Establishment}. و هذه المؤسسة التي هي جماع مفاصل الدولة، و ليس الإدارة، هي التنظيم السياسي و الإعلامي و الأكاديمي و جماعات رجال الأعمال و الشركات و ناشطو منظّمات المجتمع المدني و كيانات القُوى النظامية التي تعمل، بالرغم من عدم انتظامها في تنظيم واحد جامع، بدرجة عالية من التناغم و الوعي بالمصلحة الكليّة. و يساعد في ذلك كون المجتمع الغربي أنجز، منذ وقت ليس قصيرا، مشروعه للإجماع الوطني الذي يتقدّم نحو حالة إجماع إقليمي مثلما نرى في حالة الاتّحاد الأوربّي، مثلا، أو الكتلة الأطلسية {Trans-Atlantic Bloc}. أمّا على هامش المؤسّسة فتتكاثر الجماعات الهامشية التي لا يضُر التسامح معها، بل و قُبول فكرة التعايش معها، بينما لا يُضفي التعايش معها صورة تتميّز بالتعدّد و الديموقراطية.
أمّا في حالة مجتمع المُسلمين فثمة سواد غالب يشكّل، رغم التباين و عدم فراغ مجتمعات المسلمين من إنجاز مشروعاتهم للإجماع بعد، الموقف الغالب المعبّر عن الكتلة المسلمة. يتضح ذلك، مثلا، في حالات ردود الفعل في الشارع المُسلم لمواقف، غربية مثلا، تعتقد شرائح واسعة من مُجتمع المسلمين أنّها تجيء مستهدفة لهم، أو مسيئة لدينهم و رمزياته و مقدّساته، على نحو ما رأينا في الأمثلة و الاستشهادات التي سُقناها في غير هذا الموقع من هذه الورقة. و يؤكّد ذلك العجز المُتراكم لنُخب مجتمعات المُسلمين التي ظلّت تعمل لاستحداث اصطفافات فكرية سياسية تتعارض مع التيارات الفكرية المُنسجمة مع رؤية السواد الغالب من المُسلمين، عجزها عن انتزاع حق تمثيل ذلك السواد الغالب من المُسلمين.
إنّ هُناك تعدّد تكويني في جهة القُطبين: الغرب و مُجتمع المُسلمين، لكن التعدّد يلزم أن يُنظر إليه بهذا التحديد الذي سُقنا. فالتعدّد يلزم ألا يُحمّل ما لا يُحتمل، و يجب ألا يتم التعاطي معه بوصفه تعدد لأوزان متعادلة أو حتّى متقاربة، بل تعدّد، لدى القُطبين يجلس في جزء منه سواد غالب، بينما يجلس على الجانب الآخر منه مجموعات هامشية خفيفة الوزن، ضعيفة التأثير الكلّي.
و هل من جديد؟
نعم هُناك جديد. من ذلك أنّ ميزان القوّة الدولي الراهن ليس ثمة ما يؤكّد بأنّه سيبقى مستقرّا على ما هُو عليه. فالغرب، عبر الأطلسي، تنافسه اليوم قوّتان تبرزان إلى المشهد الدولي بقوّة و ثقة هُما الصين و الهند. هذا مؤشّر تجب قراءتُه بعناية. هذا التنافس الجديد، و هذان المُنافسان الجديدان يشيران إلى أنّ جديدا في المشهد الدولي يُرى بالعين المجرّدة.
و الجديد الآخر هو أنّ حالة العولمة التي ضربت العالم من كل فجّ تعيد الآن تعريف أدوات السيطرة و تيسّر، إلى درجة مهمّة، امتلاكها. فالقُدرة التي كانت أوضح أشكالها إلى وقت قريب القُدرة العسكرية و الاقتصادية أخذت تتراجع لصالح القدرة المتمثّلة في امتلاك المعرفة العلمية و المعلومات و استخدامهما كأداتي سيطرة. هذا التطوّر تطوّر مُهم، لا سيّما أنّ أعداد غفيرة من أبناء وبنات الشعوب غير الغربية انخرطت بنجاحات مشهودة في عالم صناعة المعلومات و المعرفة العلمية. من لا يرى مثلا تجربة في امتلاك المعلومات، و كيفية استخدامها في فضاء كوني أوسع، مثل تجربة القنوات الفضائية العربية مثل شبكة قنوات الجزيرة، مثلا؟ و من لا يرى مثلا النموذج الإيراني في تطوير مشروع نووي للاستخدامات المدنيّة؟ من لا يرى كيف أن أطراف عالم المسلمين القديم شرقا في ماليزيا و أندونيسيا، و في جنوب آسيا في شبه القارة الهندية، بل و الجيل الثالث من مسلمي الغرب الذين يتحدّثوا لغته بأفضل ما يفعل ذو لسان أعجمي، و يُتقنون مهارات المهن، و يتفوقون في ميادين المعرفة و تطبيقاتها؟
نعم هُناك أمل، إذ في آخر النفق ثمة ضُوء. إذ بالاقتراب من امتلاك القُدرة بمعناها العريض من المُمكن أن ينشأ توازن قوّة دولي جديد. و امتلاك القُدرة و استخدامها، من ثم، هو شرط دفع العلاقة بين القطبين: الغرب و الإسلام إلى التفاهم، ضمنا أو علانية، على التعايش بدلا عن المواجهة.
[1] Said, E. W. (1978). Orientalism: Western conceptions of the Orient. London: Routledge and Kegan Paul.
[2] Said, E. W. (1981). Covering Islam: How the media and experts determine how we see the rest of the world. London: Routledge and Kegan Paul PLC.
[3] Huntington, S. P. (1993). The clash of civilizations. Foreign Affairs, Summer Issue, 22-49.
[4] Fukuyama, F. (1992). The End of History and the Last Man. London: Penguin Books.
[5] Rushdie, S. (1988). The Satanic Verses. London: Viking.
[6] أصدر الإمام آية الله الخميني في الرابع عشر من فبراير 1989 فتواه الشهيرة بجواز قتل سلمان رُشدي لإصداره كتاب الآيات الشيطانية المسيء إلى الإسلام و إلى رسول المُسلمين.
[7] Jyllands Posten, Danish Newspaper, September 30, 2005.
[8] Pope Benedict XVI, Lecture at the German University of Regensburg. September 12, 2006.
[9] Esposito, J. L. (1992). The Islamic Threat: Myth or reality? New York: Oxford University Press.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.