قدم الدكتور الحبر يوسف نور الدائم العالم والداعية السوداني المعروف محاضرة بعنوان تنوع الخطاب القرآني يوم الأحد 22 يوليو 2007 بمركز أمانة معاذ الخيرية بمدينة برمنجهام بانجلترا حضرها جمع من الجالية العربية بالمدينة. وابتدأ المحاضر حديثه بالإشارة لشرف موضوع المحاضرة، ثم قدم بمقدمات عن فضائل القرآن وعلوه وعن اعجازه توطئة للحديث عن تنوع أساليبه البيانية. وفي تنوع هذه الأساليب عدد المحاضر أمثلة منها مثل تخير اللفظ حسب السياق وأسلوب الالتفات وأسلوب الإيجاز وأسلوب التكرار . كل ذلك في الموضع الذي يناسبه. وبعد المحاضرة أجاب المحاضر على مجموعة من أسئلة الحاضرين زادت بها الفائدة. وفيما يلي عرض مختصر لهذه المحاضرة القيمة. شرف الموضوع افتتح الأستاذ حديثة مؤكدا أن شرف الحديث بشرف الموضوع، إذ الحديث عن القرآن حديث عن كتاب كالمجرة نيرا كما وصفه النابغة الجعدي حين مدح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ويتلو كتاباً كالمجرة نيّرا بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: إلى أين أبا ليلى؟ فقال: الى الجنة بك يا رسول الله، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " لا يفضض الله فاك"، فبقي عمره لم تنقض له سن. ثم أشار المحاضر إلى ان أحاديث فضائل القرآن تترى في كتب الحديث ، حتى أن الكتاب منها لا يسمى جامعا ما لم يشتمل على فضائل القرآن والتفسير. وقال أن الحديث عن تنوع أساليب القرآن يقود حتما إلى ذكر إعجازه، الذى اتفق عليه المسلمون قاطبة على اختلاف طوائفهم، وإن انفرد كل بذكر أبواب لهذا الاعجاز من مثل اعجازه في بيانه وفصاحته، وفي معانيه وإخباره بالغيب، وهظذا. وهو في حقيقة الامر معجز في الأبواب كلها. ومن اعحاره اهتمام الناس به وحفظه الذى تعهد الله به حين قال (وإنا له لحافظون)، فقد كانت الكتب السابقة كتبا مؤقتة لفترة موقوتة ولكن القرآن كتاب لكل العصور، ولهذا قيل: لاتذكر الكتب السوابق قبله طلع الصباح فأطفئ القنديلا والقراءات المتعددة هي نوع من الاعجاز إذ أنها تزيد المعاني وضوحا وبيانا وكلها من فصاحة القرآن ونظمه، ولن يعرف ذلك إلا من ادرك العربية، كما كان العرب حداد الألسنة حين وصفهم الله تعالى (سلقوكم بألسنة حداد). ولهذا لا يعطيك القرآن سره إلا بمعرفة اللغة العربية، ومن أجل ذلك نعرف لماذا كان الأعاجم مثل سيبويه ونفطوية أكثر من اشتهر بالعلم بالعربية . فإنهم اجتهدوا لمعرفتها ليتعرفوا على القرآن، ولهذا فإن ترجمة القرآن هي ترجمة لمعانيه إذ أن نقل النظم والأسلوب شبه مستحيلة. ولهذا قال المحاضر للحاضرين من أبناء الجالية المسلمة: ( أدعوكم لتعلم العربية والاهتمام بذلك لأن ذلك هو مفتاح العلم بالقرآن.) من تنوع أساليب القرآن ثم استطرد المحاضر في تعداد تنوع أساليب القرآن فقال: من فصاحة القرآن تخيره للألفاظ ومن الأمثلة على ذلك عبارتي هامدة وخاشعة في وصف الأرض وهي موات لا نبات فيها، وذلك في قول الله تعالي في سورة الحج (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بهيج). وقال في الآية الأخرى في سورة فصلت (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فلم استعمل هامدة في الموضع الأول وخاشعة في الموضع الثاني؟ فالموضع الأول فيه حديث عن الموت والوفاة فناسب فيه لفظ هامدة، وفي الموضع الثاني السياق في العبادة إذ قال قبلها (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. نِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ) فناسب جو العبادة أن توصف الأرض بالخشوع. وضرب المحاضر أيضا أمثلة أخرى على هذا الأسلوب القرأني في اختيار الألفاظ. ثم انتقل المحاضر للحديث عن تنوع الخطاب فيما يسمى عند أهل اللغة بالالتفات مثل الالتفات من الخطاب إلى الغيبة أو من الغيبة إلى الخطاب وذلك من البلاغة وأدعى لعدم السآمة فينوع لهم في الأساليب. فمثلا في فاتحة الكتاب بدأ بالغيبة حين قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وذلك كله بخطاب الغائب. ثم التفت فقال مباشرة بخطاب الحاضر: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). ومن أساليب القرأن الإيجار والاختصار في مواضع الاختصار والتطويل والتفصيل في المواضع التي يناسب فيها ذلك، أو كما يقول أهل اللغة حسب المقام. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) يعنى من نسائكم دون أن يكرر، فهذا أيجاز في اللفظ. ويكون الايجاز أحيانا في الحروف مثل قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) أصلها ولا تتفرقوا ولكن اكتفى بتاء واحدة. ومن اساليب التكرار المفيد قوله تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) لأن الجملة تهديد ويحسن تكرارها حتى يقع التخويف بها، وكذلك التكرار في التذكير بالنعم في مثل قوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ). ففي فاتحة الكتاب لفظ الجلالة الله تكرر مرتين، ولفظ الرحمن تكرر مرتين، ولفظ صراط تكرر مرتين، وإياك تكرر مرتين. فالتكرر إن كان لغاية ومصلحة فانعم به. ثم ختم المحاضر حديثه بذكر المزاوجة حتى بين الحروف. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى في تكرار الراء بالإتيان بكلمات تحويها مثل قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، دَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ). وتكرار الحروف ذات الجرس الغليظ عند ذكر العذاب في مثل قوله تعا لى: (ذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ، يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ، وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ، كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ). ونلمس اليسر والسهولة في قول اخوة يوسف لأبيهم (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ).