لا يمكن أن ننظر للجنة التي كوّنها نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي على أنها محض جهد تصوّب نحو فتح النقاش حول موضوع (النظام الخالف) ذلك أن أحمد إبراهيم الترابي انخرط مبكراً ضمن محور مناوئ للأمين العام للشعبي بل إن الرجل لا يني ولا يهن أن يثير الغبار بل الزعاع بين يدي علي الحاج كلما نهض إلى مبادرة أو توجّه إلى فعل سياسي. كانت المرة الأولى حينما انخرط علي الحاج ضمن لقاءات سياسية مع أحزاب وتنظيمات من أجل صياغة مبادرة للسلام في السودان لكنه نائبه آثر أن يعكف على صياغة مذكرة احتجاجية أفرغ فيها وسعه وأوضع بين الناس أن الأمين العام يعمل بغير شورى وأنه صغى عن جادة برنامج المؤتمر الشعبي. لا مراء أن ذلك التنظيم الذي ما يزال يحتضر، تعجز قيادته وعضويته كلهم أجمعون، عن استكشاف اتجاهات جديدة في عوالم الفكر والسياسة ليتمكنوا من التصدي لتحديات المستقبل وإنتاج رؤى وتصورات لمعالجة القضايا التي تحيط بهم بل إنهم عاجزون حتى عن شرح فكرة (النظام الخالف) الذي تركه فيهم الشيخ الترابي وكانوا على الدوام تحت ظله في أحسن أحوالهم محض ناشطين في الشأن التنظيمي والسياسي اليومي لا يجاوزونه مدى فهم على نحوٍ ما جر عليهم سخرية غازي العتباني وهو يقول أنه يخشى أن يلتحق النظام الخالف بالإمام العسكري المتواري منذ أكثر من ألف عام! كما لا مراء أن ساحة ذلك التنظيم تعُج عجيجاً بالمحاور المتنافرة والتيارات المتنازعة وفي صلب هذه المنافرات يقف (أحمد إبراهيم التربي) ومن خلفه مجموعة تذعن إليه بشعارات الكميت بن زيد (أبني أمية إنكم أهل الوسائل والأوامر) وهي المجموعة التي لا ترى علي الحاج إلا متقاعساً عن حمل قضية الحريات العامة أو متحيّزاً إلى جهته وفصيلته التي تأويه إذ يصورون سعيه لبسط السلام وإخماد نار الحرب همّاً لا يتجاوز انتماءه لدارفور وقد يعلم القاصي والداني أن تلك تحيزات برأ منها علي الحاج منذ زمان سحيق ولكنه والكيد والمكر السيئ، هكذا يذهب (أحمد الترابي) ومن خلفه شرذمة قليلون لخلق تفاعلات موضعية يرجون لها أن تصرف الناس عن أصل كل برنامج يطرحه الأمين العام فإذا أعلن عن مبادرة يكادون يسطون بها. وقد علمت السابقون الأولون أن هذه الممارسة التي يكابدها علي الحاج من نائبه هي طبع راكز في تكوين (أحمد إبراهيم الترابي) ويخبرونك أنه أتي إلى مدرسة حنتوب الثانوية وأمر التنظيم الإسلامي فيها جمع فشقّه وفرّق جماعته، دعك من التاريخ وفي الحاضر الماثل ظهر الرجل بساحة المؤتمر الشعبي مع مبتدأ ما سُمّي بالحوار الوطني، ودأبه الدهر فعرض لجماعة أهل الرأي كما عرض إبليس لآدم في الجنة وتقوّل عليهم بعض الأقاويل على أنهم متاثرين بفكر الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو فأخرجهم من دار الشعبي مطرودين، وكان حري به أن يلزم خطة النابغة الذبياني: (على حينَ عاتبتُ المَشيبَ على الصِّبا، و قلتُ: ألمّا أصحُ والشيبُ وازعُ) هذه هي الأجواء التي يجب أن يقرأ خلالها خبر تشكيل اللجنة وخبر حلها لكنها أجواء ملبّدة وملوّثة أصلح ما تكون لأن تتكاثر فيها فيروسات الفرقة والشتات والتنازع والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الأمين العام زكل ذلك مهاد مناسب لكتابة خاتمة المطاف لحزب القائد الأوحد والمفكر الفرد في ثلة اللا موهبين.