(1 ) ظلت قضية تمثيل المزارعين أي الجهاز الذي ينوب عنهم ويتفاوض باسمهم مشكلة من أعقد المشاكل التي واجهت مسيرة المشروع، فمن ساعة قيام المشروع إلى أربعينات القرن الماضي ظل صوت المزراع غائبا، وذلك لظرف موضوعي فكل السودانيين كانوا غيابا عن إدارة شئونهم لقلة التعليم، وظلت الحكومة الاستعمارية هي الوصية على المزارع أمام الشركة الإنجليزية، وقد وصف مستر جيتسكل ؛آخر محافظ لمشروع الجزيرة وصاحب أقيم كتاب عن تاريخ المشروع؛ بالمناسبة هذا الكتاب الهام ترجمه مركز عبد الكريم ميرغني مؤخرا، وهو الآن متوفر بكثرة، وصف المزارع بأنه مجرد ترس في ماكينة Cog in a machine)) وفي ومناسبة أخرى قال إن المشروع شراكة بين ثلاثة, شريك ذكي (الشركة) وشريك نشط(الحكومة) وشريك أصم (المزارع)، ولكن بمرور الزمن ومع ممارسة الزراعة الحديثة ظهر الوعى وسط المزارعين فكان إضرابهم الشهير لا بل موكبهم الهادرفي الخرطوم عام 1946 بسبب مال الاحتياطي ثم بعد ذلك نشأت هيئة تمثيل المزارعين 1947 ثم هيئة شئون المزارعين 1948 ثم أخيرا اتحاد المزارعين 1953 والملاحظ أن كل تلك الأجسام تطورت في صلاحياتها مع التطورات الدستورية التي حدثت على المستوى القومي بدءا بالمجلس التشريعي لشمال السودان ثم الجمعية التشريعية وأخيرا البرلمان 1953 مما يشي بان تطور الوعي في الجزيرة كان انعكاسا للوعى القومي. (2 ) لقد سمحت لي الظروف بالجلوس مع معظم الذين أسسوا وقادوا حركة المزارعين رحمهم الله جميعا إذ جلست إلي الشيخ أحمد بابكر إزيرق رئيس أول هيئة لتمثيل المزارعين والشيخ الأمين محمد الأمين أول رئيس لاتحاد المزارعين والشيخ مبارك أحمد دفع الله قائد إضراب 1946 والشيخ محمد عبد الله الوالي والشيخ يوسف أحمد المصطفى والشيخ عبد الرحيم أبوسنينة وأشهد بأنهم كانوا كلهم على وعي تام بقضايا المزارع وإخلاص ولكن صلاحية الأجهزة كانت محدودة، بالمناسبة صديقنا الأستاذ/صديق البادي (راهب التوثيق) أصدر كتابا قيما عن نشأة وتطور اتحاد مزارعي الجزيرة وهو متوفر الآن. حكى لي الشيخ الإزيرق وهو إتحادي الحزب، أن الأزهري اجتمع به وقال له (اسمع يا شيخ أحمد إنتو قادة المزارعين وإنتو البتعرفوا الحاصل ربنا بيسألكم إنتو اكان قصرتو في حق المزارعين) ولكن مع ذلك ظلت الماكينة السياسية هي المحرك للاتحاد خاصة الحزب الشيوعي ثم عهد النميري وأخيرا الإنقاذ لهذا ظل عمل الاتحادات عملا مطلبيا متاثرا بالتوجهات السياسية ثم المصالح الشخصية لذلك ظلت حلقة تمثيل المزارع من أضعف الحلقات في مكونات المشروع. (3 ) مؤخرا تم حل اتحادات المزارعين وفي الإثناء ظهرت روابط مستخدمي المياه في الجزيرة وقبل أن يتم استيعاب فكرتها تم حلها فاليوم العلينا دا ظهرت روابط المنتجين الزراعيين وقد إكتمل بناؤها بالجزيرة من قاعدية الي تخصصية الي نوعية، المهم في الأمر في الاسبوع المنصرم تم تشكيل رأس هرم الرابطة بالجزيرة وقد تحرك فيها الحزب الحاكم وحده، واختار تلك القيادة ولا أظن أن الحزب الحاكم لديه خطة متكاملة تجاه الجزيرة ولكنه كان مدفوعا بسياسة (التكويش) خوفا من ظهور قيادة مناوئة له. روابط المنتجين تختلف عن الاتحادات في فلسفتها وفي أهدافها فهي لا تجعل المزارع شريكا فحسب بل مالكا لزمام أمره ولكن وضع المشروع الانتقالي الحالي سوف يفرض عليها الظهور بمظهر الجهاز المطلبي وتحتاج إلى زمن كي تصل لغايتها وهي جعل المزارع قطب الرحى في العملية الإنتاجية. نحن هنا رغم الطلاء السياسي للمدرج الذي صعدت به القيادة إلا أنه يجب نحسن الظن بها ونتفاءل بهم خيرا لأنهم جيل جديد, جيل متعلم ثم إنهم مزارعين وأبناء مزارعين فكل الذي نتمناه لهم أن يكونوا على قدر التحدي أن يفهموا طبيعة المرحلة التي يمر بها المشروع ويجعلوا مرجعيتهم المزارع ولا أحد غير المزارع بهذا سوف يخدمون أنفسهم وأهلهم والحزب الذي جاء بهم وكل الوطن أما إذا ظلت مرجعيتهم الادارة والسلطة الحاكمة ومصالحهم الشخصية فعلى المستقبل السلام الي أن يقيض الله جيلا جديدا فالساقية دورت ودفقة الوعى تزداد كل يوم وإن شاء الله غدا (الرواكيب الصغيرة تبقى أكبر من مدن)