ما حدث فى مصر درس بالغ العمق و الأهمية لظاهرة الاسلام السياسي كافه و لان غالب المعلقين من السودانيين تحركهم عاطفه و إشفاق مقدر على الديمقراطية و خوف من تدخل الجيش فى السياسه ، لكن الحدث كبير ويفتح الباب للتأمل ثم الدراسه ، كما يحتاج لتفهم أبعاده لمتابعته دقيقه لمسار الفكر و المجتمع فى مصر منذ ما قبل ما أسماه ألبرت حورانى بعصر النهضة العربى ، و الخطأ الآخر الذى يقع فيه الإسلاميون خاصه أنهم يقيسون جماعتهم و تجربتهم فى السودان و يتوهمون أنها نفس الجماعه بذات المنهج والفكر، فالذين يحكمون الجماعه و السياسه اليوم فى مصر هم التيار القطبى و على راسه المرشد بديع و مسؤول التنظيم محمود عزت ثم صاحب المال و القرار خيرت الشاطر و أشدهم تعصبا مسؤول الاعلام محمود غزلان صهر الشاطر ، وقد استطاع هذا التيار منذ بضع سنوات ان يطيح بتيار العمل العام و الذي يمثله نائب المرشد السابق حبيب و عبد النعم ابو الفتوح ثم اهم وجوه الاخوان فى الخارج كمال الهلباوي ، والذين استقالوا جميعا من الجماعه قبل الثوره، فالتيار الذى أدار الجماعه و كلفها خساره الآلاف من عضويتها المستنيرة ثم هو يكلفها اليوم الخروج المذل من الحكم و السلطه ، كان ينبغي ان يكون خارج الجماعه منذ صدور كتاب دعاه لا قضاه فى منتصف العقد الستين من القرن الماضى ، ولكنه تدثر بالتقياوالالتفاف و اثر البقاء داخل التنظيم حتى استولى عليه بالتمام فى أوائل القرن الجديد، و بالطبع لا يحتاج العارفون ان نذكرهم ان التيار القطبى يؤمن باستعلاء الأيمان و العزله الشعورية و جنسيه المسلم عقيدته، وهو التيار الذى ترك افضل ما عند حسن البنا الانفتاح و المنهج الإصلاحي و أخذ أسوأ ما فى تراثه الجماعه الطائفية التى تقوم بالفرد المسلم ثم الاسره المسلمه ثم المجتمع المسلم بشبكه علاقاته الاجتماعية و الاقتصادية مما انتج بالضروري مجتمع إخوانى يقوم إلى جانب المجتمع المصري بمثقفيه و فنانيه و أساتذته و عماله و نسائه ، ويتبادل معه حوار الطرشان ، لقد كان قرار الجماعه الأول بعد الثوره هو القرار الأصوب الذى قادها اليه التفكير الطبيعي السليم ، إلا مرشح لرئاسه الجمهورية من الجماعه و لا ترشيح إلا لثلث مقاعد مجلس الشعب و الوزاره مشاركه لا مغالبة ، لكن ما ان ترشح عبد المنعم ابو الفتوح حتى جن جنون الشاطر فأعاد فتح الموضوع و من الذى يستطيع الوقوف أمام خازن المال و نقض القرار السليم بمعكوسه ، فالجماعة تخشى من الرموز القياديه من السابقين أكثر من مسووليه التصدي لحكم 90 مليون مصر بغير سابق تجربه و أمام تطلعات شعب فجر ثوره تفجرت معها آماله و طموحاته المكبوتة منذ قرون، بل ان الشاطر لم ينتظر حتى يجتمع الشورى و الإرشاد فأجبر محمد سليم العوا على الترشح ليشق الصف الاسلامى مبكرا على ابو الفتوح و قد كان راجحا ان يفوز أمام عمرو موسى وشفيق و صباحي ، و من ثم بدا مسلسل الاستحواذ والتمكين بالإعلان الدستوري و الوزاره الضعيفة و استعداء القضاء و الاعلام و الأقباط تخامرهم احلام المتوسط الاسلامى على طول شاطئه من ليبيا إلى تونس عبر ليبيا و الجزائر كما خامرتنا من قبل احلام التمدد نحو ليبيا.