كتب- سعيد الطيب يشهد التاريخ السياسى المعاصر ان السودان ظل دولة موحدة نالت استقلالها عن دولتى الحكم الثنائى فى الاول من يناير 1956م وظلت هكذا حتى جاء يوم السبت الموافق التاسع من يوليو 2011م ليعلن ميلاد دولة جنوب السودان التى اختار مواطنوها فى استفتاء شهير الانفصال طواعية عن شمال السودان . مسيرة التاريخ السياسي لجنوب السودان كجزء عزيز من الوطن قبل الانفصال تضافرت جملة من العوامل غرست فى النفوس انفصالا معنويًا قبل أن يتصبح حدوديًا منذ القرن التاسع عشر عندما استعمرت بريطانيا السودان مع مصرو قامت السياسات الاستعمارية علي اظهار الاختلافات الإثنية واللغوية والعرقية والدينية، وفرقت في التعامل بين الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم، حيث ظهرت جليا الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدي الأوساط المسيحية فى الجنوب ان الشماليين تجار رقيق وبعد جلاء القوات البريطانية طالب الجنوبيون بأن يكون لهم نظام خاص داخل الدولة السودانية الموحدة وهو( النظام الفيدرالى ) ولكن الحكومة رفضت الاقتراح معللة إنه يؤدي إلى انفصال الجنوب ثم تمرد في أغسطس1955 بعض اعضاء الفرقة العسكرية الجنوبية فى توريت كتطور طبيعي. وبعد تولى الفريق ابراهيم عبود مقاليد السلطة فى نوفمبر 1958م قامت الحكومة العسكرية باتباع سياسة التذويب بالقوة مع الجنوبيين، وأدي ذلك إلى مطالبة الأحزاب الجنوبية وعلي راسهم "حزب سانو" باستقلال الجنوب، كما تم تشكيل حركة أنانيا التي بدأت عملياتها العسكرية في عام 1963م وبعد الشد والجذب تم بحث تسوية سلمية للصراع، حيث عقد مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965م كانت مشكلة الجنوب واحدة من القضايا الأساسية التى وجدت اهتمام النظام المايوى ففى 9 يونيو 1969 وبعد أقل من شهر أصدر (إعلان التاسع من يونيو) الذى تضمن اعترافا صريحا بالفوارق والاختلافات التاريخية والثقافية بين الجنوب والشمال، وأقر حق الجنوبيين فى تطوير ثقافتهم فى إطار السودان الموحد، كما دعا إلى قيام حكم إقليمى فى المديريات الجنوبية، وهو ما اعتبر توجها جديدا فى التعاطى مع مشكلة الجنوب، ووجد الإعلان ترحيبا من قيادة حركة الأنانيا بقيادة اللواء جوزيف لاقو، ونشطت الاتصالات بين الحكومة وحركة التمرد، ولعبت بعض الأطراف الأجنبية دورا كبيرا فى التقريب بين طرفى النزاع، وتكللت هذه الاتصالات بالنجاح فى فبراير 1972 حيث عقد مؤتمر أديس أبابا وقد نصت اتفاقية أديس أبابا التى تم التوقيع عليها فى 27 فبراير 1972 بين الحكومة وحركة الأنانيا على قيام حكم ذاتى إقليمى فى جنوب السودان وتم تضمين هذا النص فى دستور السودان لعام 1973، واعتبر البعض اتفاقية أديس أبابا أكبر إنجازات نظام مايو. وأدى تطبيق اتفاقية أديس أبابا إلى إشاعة الاستقرار فى الجنوب والشروع فى إقامة بعض المشاريع التنموية المحدودة لمدة قاربت العقد من الزمان، إلى أن أتى قرار تقسيم الإقليم الجنوبى بدفع من بعض الساسة الجنوبيين ليؤجج الخلافات ويجدد أجواء عدم الثقة بين الشمال والجنوب، ويقدم المبرر لقيام حركة تمرد جديدة اعتبرت القرار نقضا لاتفاقية أديس أبابا وبالرغم من أن قيام التمرد الثانى قد سبق إعلان قوانين الشريعة الإسلامية فى سبتمبر 1983، حيث صدر البيان التأسيسى لحركة التمرد المانفستو) فى مايو 1989، إلا أن إعلانها قد أحدث ردود فعل عنيفة فى أوساط الجنوبيين، ودفع العديد من القوى فى العالم الغربى والمعسكر الشرقى للتحالف مع حركة التمرد لمحاربة تطبيق الشريعة الإسلامية وإضعاف الحكومات فى السنوات اللاحقة وحينما جاءت الانقاذ فى يونيو 1989م استطاعت اأن توقع اتفاقية الخرطوم للسلام مع بعض الفصائل الجنوبية المنشقة عن حركة قرنق فى 1997م ، وقد أقرت الاتفاقية حق تقرير المصير للجنوب، ولكن تنفيذ الاتفاقية واجه بعض الصعوبات على أرض الواقع أدت إلى خروج الدكتور رياك مشار وآخرين وعودتهم إلى صفوف الحركة الشعبية. وأدى تزايد الاهتمام والارتباط الأمريكى بالشأن السودانى، بعد نجاح حكومة الإنقاذ فى استخراج واستثمار النفط الذى أسال لعاب الشركات الأمريكية، إلى بث الروح فى مبادرة الإيقاد بعد أن تعثرت المبادرة المصرية الليبية المشتركة اثر تمنعات واشتراطات التجمع المعارض وتبادل الاتهامات بين الطرفين وتم فى 20 يوليو 2002 التوقيع على إطار مشاكوس الذى اعترف بحق تقرير المصير لأهل جنوب السودان بعد فترة انتقالية مدتها ست سنوات عبر استفتاء ينظم لهذا الغرض، وتطبيق الشريعة الإسلامية فى الشمال، على أن يختار أهل الجنوب القوانين التى تلائمهم ووضع إطار مشاكوس الأساس لاتفاقية السلام الشاملة التى تم التوقيع عليها فى التاسع من يناير 2005 بنيروبى من الملاحظ عبر مسيرة الاستقلال فى جنوب السودان وقبل الانفصال ان مشكلة الجنوب (سابقا) نجحت فى حلها الانظمة العسكرية فقط فبعد فشل نظام عبود العسكرى فى حلها نجح نظام نميرى العسكرى فى عام 1972م واستمر الحل احد عشر عاما ..ثم حدث التمرد الثانى ونجح نظام الانقاذ العسكرى فى ذلك الحين ان يحل مشكلة الجنوب نهائيا .. وبالتالى يصبح الاستقلال عيدا وذكرى لميلاد سيادة سودانية على ارضها الحرة وان فقدت جزءا عزيزا منها طواعية وتبقى العزة للسودان ولشعبه الملهم.