الملايين يتذوقون طعم القهوة اللذيذ ويستمتعون برائحتها المنعشة، وهم يرتشفون فنجاناً أو كوباً من القهوة. ولكن أن يتذوقه أو يستمتع به أحدهم ببصره، فإن ذلك يشكل بعداً جمالياً جديداً غير معروف يقدمه أحد الفنانيين التشكليين الموهوبين الشباب. يحكي الفنان التشكيلي الشاب سامي نجم الدين محمد (لسوداناو) عن تجربته الأولى في الرسم بالقهوة المسكوبة، فيقول: أحب القهوة جدا وبصورة غير عادية في يوم ما في السنة الأولى لي في كلية الفنون الجميلة وتحديدا في العام 2005، كنت في الكلية وأمامي مجموعة من أوراق الرسم البيضاء. وبعد أن شربت فنجاناً من القهوة بدأت أنثر ما تبقى في قعر فنجاني منها على الورق. حصلت على تدرج رائع لعشرات الالوان من الأسود الغامق إلى الابيض. فتعاملت عندها مع القهوة بإعتبارها خامة ألوان. ورسمت لوحة لفتاة تعزف على كمانِ. كانت أول محاولة. لم أكن أعرف أن هناك من يرسم بالقهوة. ولم أشاهد أية لوحة من هذا النوع قبلاً. كانت تجربة فريدة . بعد ذلك بالبحث عرفت أن هناك من يرسم بالقهوة ولكن هم قليلون جداً سواء داخل السودان أو خارجه. ويذكر سامي الذي تخرج من كلية الفنون الجميلة بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا العام 2009، منذ ذلك التاريخ تطور الأسلوب الذي أعمل به كثيراً وحسنت من التقنيات التي ارسم بها. صرت أكثر "جرءة في استخدام القهوة كلون" وكذلك استخدام الورق المناسب والملائم لهذا النوع من الرسم. كذلك بعد أن اشرب القهوة أضيف لها المزيد من السكر لانه يزيد تماسك اللون. إضافة إلى استخدامي مثبت للألوان، وإي سبري ينفع في ذلك، بحيث إذا لم تتعرض اللوحة للعوامل الطبيعية يمكنها أن تحتفظ بجودتها ورونقها لعشرات السنين. الوحي والألهام بالرسم لفكرة ما يأتيه نهاراً أو ليلاً، كما يقول. وقد يستغرق الأنتهاء من لوحة ما يوم أو أكثر أو أسبوع أو شهر. ويبين ورثت موهبة الرسم عن والدي الذي ورثها عن والدته. إذ تفتحت عيناه على رسم جداري بالحجم الطبيعي للانسان، لفارس على صهوة جواد منحوتة على جدران طينية مكسوة بالرمل على أحد الجدران في منزل الأسرة في قريتهم (ديم القراي) ريفي شندي بولاية نهر النيل. أخبرني والدي ان جدتي وتدعى عائشة محمدين، هي من رسمت هذه الجدارية وأنها كانت إمرأة بسيطة ولم تتلق تعليماً أكاديمياً لكنها كانت بارعة في الرسم وخصوصاً فن النحت. ويبدو أننا قد ورثنا جميعاً في الأسرة هذه الموهبة منها. فمنذ صغري كنت محاطا بفنانين كثر في الأسرة عمي وشقيقي الذي يمتهن الفن التشكيلي، حيث تخرج أيضا في كلية الفنون الجميلة. عندما كنت يافعاً، كنت أرسم أشكال الحيوانات بالطين وأرسم بالطريقة العادية على الورق . وعندما كبرت وجدت امامي مرسم أخي واوراقه وألوانه فطقت أرسم، وبالتالي لم يكن الرسم صعباً على الأطلاق. وقد أخترت منذ زمن باكر أن أدرس في كلية الفنون الجميلة، وقد كان، حيث درست فن التصميم والطباعة وقد دعم هذا التخصص موهبتي في الرسم أكثر. النساء هن الأغلب في كل رسوماتي كما يقول، و يوضح أنه منحازٌ للمرأة إذ على الرغم من أدوارها الكثير في الحياة إلا انها لا تجد حظها من ذلك. كما إن البيئة الريفية تستهويه،. ولديه لوحة أسمها (البنت الريفية) تجسد حياتها اليومية في جلب الماء ومشاركة الاخريات في انجاز أعمالهن فيما يسمى أجتماعياً في السودان(الفزع). وتجسد لوحته عبر خطوطها الأنسيابية والميلان استمتاع الفتاة الريفية بعملها هذا. وهناك لوحة لفتاة أسماها (محبوبة الجمهور) وهي لفتاة تحمل هموماً كثيرة في رأسها ولكنها تستمتع بحب الجمهور لها وهي تعزف الجيتار ويخلصها ذلك من همومها. ثم لوحة لمجموعة من النساء الجنوبيات في طريقهن الى الشمال اسماها موسم الهجرة من الجنوب.