الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه ومن والاه عزيزي القارئ الكريم وددت في هذا المقال أن أعرض عليك بعض المعلومات عن تطور مفهوم المنهج التربوي، وعمليات تطويره بعد أن تعالت الصيحات بقصور في المنهج التربوي من بعض المواطنين الأعزاء، وبعض المهتمين والعاملين فى مجال التربية والتعليم في السودان، والبلاد على أعتاب مؤتمر عام عن التعليم فى السودان. 1- تطور مفهوم المنهج التربوي: بدأ المنهج الدراسي بمفهوم قديم وتقليدي، انحصر فى تدريس المقررات الدراسية وتلقينها، وامتحان التلاميذ فيها، ووجه نقد لهذا المفهوم التقليدي فوُصف باهتمامه بالمعرفة، وإهمال حاجات وميول التلاميذ، وعدم مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، وإهمال الأنشطة التعليمية، وإهمال الجوانب الأدائية والعملية والتطبيقية، وغير ذلك من أوجه النقد، التى لا يسع المجال لذكرها، وبناءً على هذا النقد ظهر مفهوم حديث للمنهج التربوي، اهتم بالنمو الشامل والمتوازن للمتعلمين، من معرفة ومهارات ووجدان وانفعال، وأولى حاجات وميول ومشكلات التلاميذ اهتماماً عظيماً، راعى فيه نموهم الديني والفني، والإجتماعي، والعقلي، والجسمي، وراعى قدراتهم واستعداداتهم وفروقهم الفردية . 2-تطوير المناهج التربوية: تطوير المناهج هو تطوير لحياة الإنسان، الذي كرمه الله وفضله على بقية خلقه. ( أ ) معنى التطوير: التطوير يكون فى جميع مجالات الحياة الخدمية والانتاجية، وفى مجال التربية يقصد بتطوير المناهج التربوية بادخال تجديدات ومستحدثات فى مجالها، بقصد تحسين العملية التربوية ورفع مستواها، بحيث تؤدي فى النهاية الى تعديل سلوك التلاميذ، وتوجيهه فى الإتجاه المطلوب وفق الأهداف المنشودة.. وهناك فرق بين التغيير والتطوير، فالتغيير قد يتجه نحو الأفضل أو الأسوأ، أما التطوير المبني على أساس علمي فهو غالباً مايؤدي الى الأحسن. (ب) لتطوير المنهج التربوي دواعٍ أهمها: التطلع الى حياة أفضل، وإيمان القيادات التربوية بإحداث التنمية والتغيير للأفضل، وبطريقة مخططة يراعي فيها التصميم العلمي، لأن تطويرالمنهج يأتى على رأس قائمة مجالات التجديد فى التربية، وأهم دواعي تطوير المنهج وجود سوء وقصور فى المناهج الحالية، أو بعض التغيرات التى طرأت على التلميذ، والبيئة والمجتمع، والاتجاهات العالمية والمعرفة والعلوم التربوية وغير ذلك من الدواعى. (ج) أساليب تطوير المنهج نوعان هي: أساليب قديمة تعتمد على الحذف والإضافة أو الإستبدال، وبطريقة جزئية خالية من التجريب. وهناك أساليب حديثة اهتمت بالتطوير الشامل لكل جوانب المنهج، مثل العمل بنظام الساعات المعتمدة، كما هو معمول به فى معظم الجامعات السودانية الآن. ومن الأساليب الحديثة ظهور المدرسة الشاملة، التى تعمل على ربط المدرسة بالحياة، وإعداد التلاميذ للحياة، مع اشباع ميولهم وحاجاتهم وتنمية مهاراتهم، ومن نماذجها المدرسة الشاملة من سن 11- 18سنة. وتعد مدارس المجتمع ومدارس الفصل الواحد من الأساليب الحديثة فى تطوير المنهج التربوي. (د) هناك أسس لتطويرالمنهج التربوي أهمها التخطيط الذى يراعى ترتيب الأولويات، ومراعاة الواقع والامكانات المتاحة، والأخذ بمفهوم الشمول والتكامل، والدقة فى البيانات الإحصائية والمرونة، ولابد للتطوير أن يستند على دراسة علمية للبيئة والمجتمع، والاتجاهات العالمية، لأن هذا العصر هو عصر التطور والانفجار المعرفي، والتخصصات وعصر الماديات، وعصر التغير السريع، ويعتبر تجريب المنهج، ومراعاة الشمول والتكامل، والتوازن والتعاون بين كل المهتمين بالعملية التربوية، من أهم أسس تطوير المناهج. (ه) توجد خطوات علمية تستخدم فى تطوير المناهج أهمها: تحديد استراتيجية التعليم من قبل مجلس قومي للتعليم، ثم دراسة الواقع الحالي على ضوء الاستراتيجية المرسومة، ثم يتم بعد ذلك وضع خطط للتطوير، ثم تفصل هذه الخطط لتشمل كل جوانب المنهج المختلفة، من تنظيم، ومقررات، وطرق تدريس، ووسائل تعليمية، وتأليف الكتب المدرسية للتلاميذ، ومراشد المعلمين، تلي عملية تخطيط المنهج خطة مقترحة لتجريبه باختيار عينة من المدارس، يتم فيها التجريب مع توفير المتطلبات اللازمة للتجريب، ثم يلي ذلك تحليل نتائج التجريب لتعديل المنهج المطور عدة مرات، لصورة مطورة فيها درجة كبيرة من الثبات. (و) بعد الإنتهاء من التجريب يتم الاستعداد للتنفيذ، وتحتاج هذه المرحلة الى بضع سنين، لأجل رصد المبالغ اللازمة، وطباعة الكتب، وتدريب المعلمين، وإعداد طرق وأساليب ووسائل تقويم المنهج، وتهيئة الجميع للمنهج المطور الجديد، بعد الاستعداد يتم اختيار الوقت المناسب لتنفيذ المنهج المطور، وتعيين لجان لمتابعة تنفيذ هذا المنهج، من أجل التعديل المستمر وتكوين نواة للتطوير القادم. (ز) تطور مناهج التعليم فى السودان: بدأ أول تعليم نظامي فى السودان فى الخلوة فى عهد السلطنة الزرقاء دولة الفونج، على يد غلام الله أحمد بن عايد، وكان هذا النظام يفي بحاجات المجتمع التعليمية الدينية، فلذلك وقف المجتمع مع الخلاوي، ودعمها مادياً واجتماعياً، واستمر نظام الخلوة يؤدي هذا الدور الديني والاجتماعي حتى يومنا هذا.. وفي سنة 1821م حكم الأتراك السودان فأنشأوا مدارس أولية فى بعض المدن الكبرى فى السودان، لسد حاجاتهم من الموظفين الصغار الذين يقومون ببعض الأعمال الإدارية. واستمر العمل فى هذه المدارس التركية حتى تم قفلها فى عهد دولة المهدية. أبقى المهدي على التعليم الديني فى الخلاوي، التى أبدت له الولاء لنظامه الجديد، فى عهد الحكم الثنائي عين مستر كري 1900م مديراً عاماً للتعليم فى السودان، فحدد مستر كري أهدافاً للتعليم للسودان، استمر العمل بها حتى غيّرت بأهداف سودانية عام 1973م وتعتبر مدارس التركية السابقة أول بداية للتعليم الحديث فى السودان. ولكن التأسيس الفعلي لهذا التعليم الحديث تم فى عهد الحكم الثنائي، واستطاع البريطانيون ونظرائهم من الأساتذة السودانيين من إعداد معلمين يعملون في البيئات الريفية، واستطاعوا أيضاً إعداد وإكمال منهجي المرحلة الأولية والمرحلة المتوسطة، وتعميمها فى معظم أنحاء السودان، والتعليم الديني فى السودان كان ومازال يؤدي دوره بواسطة الخلاوي والمعاهد الدينية، مثل معهد أم درمان وغيره من المعاهد الدينية المتوسطة والثانوية، واكتملت مسيرته التعليمية بإنشاء الجامعة الإسلامية فى أم درمان، وتلتها جامعة القرآن الكريم.