في مخيلة السوادنيين صورة سالبة عن مدينة أبيي التي تنازع على أرضها المسيرية ودينكا نقوك ،من خلف المسيرية يقف المؤتمر الوطني، ومن أمام دينكا نقوك تقف الحركة الشعبية حتى حسم النزاع في مثل هذه الأيام من العام الماضي في مدينة لاهاي الهولندية بصدور قرار احتفت به الحركة الشعبية ودينكا نقوك ووافق عليه المؤتمر الوطني ورموز المسيرية وقادتها الذين مثلوا قبيلتهم في لاهاي باستثناء رجل وحيد اعتذر عن السفر حينذاك ونفض يده عن ما جرى ولكنه ساهم في تلطيف الأجواء (حسن صباحي). أبيي ليست بقعة نزاع دائم وحرب لكنها مدينة منكوبة بالآلام مجروحة في قلبها.. مدينة استطاعت مع أحزانها التي استمرت سنوات طويلةأن تنجب النوابغ مثل البروفيسير فرانسيس دينق مجوك الذي كان يغرد وحده في فضاء نصف الساسة فيه يعانون مشاكل الصحة العقلية، وسكان أبيي هم مزيج من أغلبية دينكا نقوك، بسماتهم التي تميزهم عن سائر سكان الجنوب وبعض من المسيرية الذين تمازجوا مع الدينكا ووافدين من دارفور كتجار وقليل من أولاد بحر أبيض البارعين في التجارة حد المغامرة.. منذ عام 2005 م وأبيي تبحث عن ذاتها ما بين حكومة الجنوب وحكومة الشمال وانتظرت المنطقة حسم نزاع الشريكين وتقرير مصيرها ردحاً من الزمان لم تنعم أبيي بمشروعات تنموية من الجنوب ولا مشروعات كبيرة من المركز والحكومات الإتحادية تركتها لإقدارها تتنفس تحت إدارة محلية لاحيلة لها. حتى تقدم رئيس الإدارة السابق العميد أروب مياك باستقالته احتجاجا على الأوضاع التي تعيشها منطقة أبيي وهي أول استقالة لمسؤول سوداني من أجل المواطنين لا من أجل نفسه والعميد أروب كان رئيساً للإدارة المؤقتة بسلطات وصلاحيات والي أو حاكم يقود سيارة فارهة ولديه مرتب كبير جداً وامتيازات دستورية كبيرة لكنه أراد أن يثبت للسودانيين أن الدينكا يعتبرون أنفسهم سلاطين السودان أنفة وكبرياء فآثر تقديم استقالته لأن الحكومة الإتحادية لم تنشئ طريقا لربط أبيي بالشمال وحكومة الجنوب لم تنشئ طريقا لربط أبيي بالجنوب!! قديما كان البروفيسور فرانسيس دينق مجوك من دعاة التجريب ولأن الرجل مثقف غربي ببشرة سوداء وثقافة سودانية ،والعقل الغربي يميل للتجريب منذ عهد مايو كان فرانسيس ينادي بجعل (أبيي) مثالاً لوحدة السودان يتم تنمية المنطقة بصفة استثنائية بعد إبرام مصالحات بين الدينكا والمسيرية وتكوين إدارة للمنطقة من الدينكا والمسيرية ولكن تتولى الحكومة المركزية ضخ مال من الخزانة العامة لربط المنطقة بالجنوب والشمال والنهوض بمشروعات تنموية كبيرة حتى يكتشف الشماليون والجنوبيون ثمرات الوحدة وأن أبيي ما هي إلا مثال للسودان الموحد وحينها لن يختار الجنوبي غير الوحدة لكن بكل أسف شئ من ذلك لم يحدث حتى اليوم. بعض الإشراقات التي قام بها صندوق دعم الوحدة غطَّت عليها الأخبار (السيئة) وفشل الصندوق حتى في التبشير بما صنعه من جميل وما بذله من جهد لأن ادارة الصندوق (تخاف) من عدسات الكاميرات وأبيي اليوم تعيش أوضاعاً في غاية البؤس وتنتظرها استحقاقات استفتاء لسكانها للاختيار ما بين الانضمام للشمال أو الجنوب بالتزامن مع استفتاء الجنوب فهل تضيع أصوات أهل أبيي (سمبلا) دون خدمة الوحدة ولا الانفصال ولماذا الاستفتاء في أبيي متزامنا مع الجنوب؟.. أبيي مجروحة في كبدها وتئن من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها ولم تحصد من الفترة الانتقالية شيئا من الجنوب أو الشمال.