وما زلت بين يدي الأستاذ علي عثمان النائب الأول.. وهو يفتح ملف الفساد.. بل يفتح جرحاً فادحاً.. ليطهره من الصديد حتى يتطهر.. ليبرأ بعد رتقه.. أو هذا ما نأمله ونرجوه ونتمناه.. طلبنا منه تحديداً أن يبدأ إعصار مكافحة الفساد بإمساكه بالملف الموثق المرَّقم..المبوَّب.. والذي صدر من جهة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.. فهي جهة تصدقها المعارضة ولا تنكرها الحكومة، وهي تقارير المراجع العام.. وكنا قد أبدينا خوفنا ورعبنا وإحباطنا.. والسيد النائب الأول يطلب منا.. عند كشف أي فساد أن يكون الكشف مصحوباً بالأدلة الدامغة.. وأن نضبط المفسدين وأيديهم ملطخة بأدران الفساد.. ثم أوردنا أن ذلك مستحيل علينا.. ليس لعجز وضعف فينا.. بل لأن المفسد ليس غراً ولا غشيماً ولا «أهبل» حتى يرتكب الفساد في وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد، ولأنه أيضاً ليس غبياً، ولا مجنوناً حتى يترك وراءه أثراً يدل على فساده.. إذن ما العمل؟.. وحتى لا نتوه في لجة اليأس، ونغرق في موجات القنوط.. وحتى لا نردد مع سعد زغلول «ما فيش فايده» دعونا نقترح على الأستاذ أن يراجع سيرة الذين حامت أو تحوم حولهم رياح الفساد.. أن يراجع سيرتهم الذاتية، وماذا كانوا يملكون قبل تسنم المسؤولية، وكيف هي حياتهم وممتلكاتهم الآن، وبعد أن «عاموا» في نهر السلطة المنعش اللذيذ؟.. نعم نحن نجزم بأن السيد النائب الأول سوف يكتشف أن بعض من «الأخوان» قد تنكبوا الطريق ووقعوا عمداً في حفرة «الفساد».. وعندها.. له أن يقرر ويحاكم لأن بيده الأمر، وتحت أيديه وسلطاته التحري والقبض والمحاكمة.. أما نحن عوام الشعب.. بل عنا نحن الحرافيش.. ليس لنا - وعندما نطمئن.. ونتيقن ونقطع الشك باليقين- أن فلاناً هذا أو ذاك مختلس حرامي.. فاسد ونهاب.. هنا ليس لنا غير التحسر والأنين ووسادة نبللها بالدمع.. والدمع السخين.. وحتى لا يكون حديثنا كلمات تطير في الفضاء كما الدخان.. وحتى لا تبدو حروفنا مزايدة وافتراءً وبهتانا.. نورد لكم قصة حقيقية.. جرت فصولها حقيقة وليست رواية تتمثل بين ظهرانينا وأمام عيوننا.. لا نكتب حرفاً واحداً (حرف كذب).. بل نستوحي في كل حرف.. في كل كلمة رقابة ضمائرنا وقبلها رقابة الخالق.. فقد كان لنا صديق.. بل «معرفة» وثيقة.. كان الرجل لا يملك من حطام هذه الدنيا.. غير وظيفة بائسة وحياة مسكينة.. وأيام متدثرة بالبؤس، متلفحة بالحاجة.. كنا.. نطعمه و «نشرِّبه كمان» فقد كان ذلك في أيام جاهلية مقيتة - «لا أعادها الله»- فالرجل لم يعرف له ورع ولا حتى دين.. وتهل بل تهب رياح الإنقاذ.. ولأنه إما محظوظ.. أو انتهازي.. فقد طار مع تلك الهبوب.. وكأنه طائر في مهب الريح.. تبدلت الأحوال.. سرت الدماء دماء العافية في عروقه.. ثم تواصل مطر النعمة والنعيم ليهطل وابلاً في حياضه.. جاءت العربة وتبعتها أخرى.. ثم جاء «كشك» تتبعه أكشاك.. وجاءت قطعة الأرض تليها «قطعات».. ثم صار من الأغنياء.. ليس أولئك الذين تحسبهم أغنياء من التعفف.. بل أولئك الأغنياء الذين تدل عليهم سيماء العربات وتدفق الأموال.. و«كمية» الممتلكات.. كنا وفي بداية إنفتاح ذاك «البلف» بلف الثراء نسأله من أين لك هذا.. كان يجيب وابتسامة بعرض وطن ولا أقول بعرض «حزب» كان يقول ضاحكاً.. ماذا يفعل الحاسد مع الرازق.. وعندما أوغل بعيداً في ذاك الطريق.. ظللنا نسأله.. من أين لك كل هذا.. هنا بدأ يجيبنا.. بل يصفعنا بالردود التي لا نملك لها دفعاً ولا صداً ولا انكاراً، كان يقول في موجة وقار تتغشاه وهو يسبل العينين «إذا رب العالمين وهب لا تسألن عن السبب».. وأحياناً يجيبنا قائلاً.. «إن الله يرزق أحدنا بغير حساب».. ونحن نسلم بذلك ولا نشك مطلقاً في ذلك، بل نقول له في تسليم.. ونعم بالله.. هذا نموذج حي.. بل هو مثال من لحم وشحم وعظم ودم.. يسعى بيننا.. ونحن بل أنا في قناعة لا يزعزعها شك ويقين لا يخلخله ظن.. أنه اغتنى وغمرته أمواج الترف بعد ما أوهم الأحبة في الإنقاذ أنه من الفرقة الناجية.. بل لعله نفذ من نافذة مقولتهم الخالدة.. من خدعنا بالدين انخدعنا له.. نعم نحن نعرفه اسماً ورسماً وعنواناً..ولكنا لا نملك دليلاً واحداً.. يضعه في خانة المفسدين، ولو فعلنا.. لواجهنا تهمة البهتان ورمي الناس بدون برهان.. لأن برهاننا هو الفطرة السليمة.. واخضاع حالة هذا الفاسد.. للعقل والمنطق..