ما أن تشير عقارب الساعة الى التاسعة مساءً حتى يبدأ «عبدالمعين» جارنا في سب ابنته- مسرة- البت دي بقت مطلوقة.. هي قايلة روحها شنو.. بس خليها تجي.. ح أضربا.. ح أقطعا حتت حتت.. ولأن أمها تسمع هذا الكلام «يوماتي» فلا تعره أدنى اهتمام.. لكنها تحاوره في سرها.. كلام ساكت.. والله ما تسوي التكتح.. يرغى عبدالمعين ويزبد.. وزوجته «الصبر»، اسم على مسمى، تحتمل في أناة، ومرات تستعين بالتسبيح والإستغفار.. تحضر مسرة.. ليبدأ الحوار.. تعالي هنا يا بت؟ كدي يا أبوي شوف جبت ليك شنو؟ دي الباسطة البتحبها.. يزمجر لكن!! تقاطعه ودي لحمة شية الجمر أشويها ليك هسه تتعشى بيها.. يلين قليلاً: بس يا بتي التأخير ده- تقاطعه- بكرة الجمرة بتقطع بخلي ليك القروش عند أمي عشان الصباح تجيبا.. لا يجد سوى أن يتمتم: الله يديك العافية والله شقيانة وتعبانة. ما أن يتطاير دخان الشواء حتى تبدأ ضحكات عبدالمعين.. فلا تملك «الصبر» إلا أن تردد في خبث:«عاد الله يديم الضحك». في البدء كان يضجرنا هذا الموال اليومي.. حتى والفناه وأعتدنا عليه.. يبدأ وعيده وتهديده.. مع إضافات مرات مسجوعة ومرات ذات شعبية ممراحة. البت دي مرقت من الإيد.. الليلة بوريها الجن الما بتعرفو.. الليلة ما بخليها، كان جابت باسطة ولا جابت واسطة.. تنقشع سحابات الشتيمة وتختلط برائحة الشواء.. فتحل الضحكات محل اللعنات.. والبسمات محل الإساءات.. وتصبح «بت الكلب» «بت السرور» «والمطلوقة» تصبح «المسكينة شقيانة وتعبانة ». أصبحت هذه مسرحيتنا اليومية.. وعندما نسهر خارج المنزل ونعود نتأسف على فوات الفصول الأولى من المسرحية.. ولكننا نحظى بمشهد الختام قبل انزال الستار، حيث الضحكات وروائح الشواء، ومرات لا نحظى بذلك، إذ نكون قد حضرنا بعد إنزال الستار.. هذا ما يعلن عنه شخير عبدالمعين العالي.. الذي يضجرنا.. ويضجر حاجة الصبر.. فتعدله بأن توقظه: يا حاج.. يا حاج أعدل رقبتك دي.. فيخف الشخير لدقائق، ثم يعود بذات الإيقاع الرتيب المزعج. ذات مساء وبدأ «الموال» كالعادة.. لكنه على غير العادة، لم يختم بالشواء أو الباسطة، بعد أن أطلق عبدالمعين تهديداته في انتظار «مسرة»، واستعانت حاجة الصبر عليه بالتسبيح والإستغفار، وتمخض الأمر عن حضور مسرة.. التي صاحت في أمها زغردي يمه.. أبشر يابا.. خلاص بكره جايين يخطبوني.. ولف الصمت البيت. وزعت رقاع الدعوة لحضور عقد قران الأستاذة مسرة عبدالمعين على الوجيه آدم عبدالباسط.. والعاقبة عندكم في المسرات.. أقيمت الاحتفالات.. وغنت البنات راجل المرة حلو حلاة.. لكن ثمة من زجرتهن قائلة: قالوا العريس راجل مرة.. أجي أجي.. واستبدلنها بالقنبلة والنبق.. النبق. أول يوم بعد انفضاض مراسيم الزواج غادر العريس بعروسته الى شهر العسل، وتنفسنا الصعداء بأن الموال سينتهي مع آخر عروض المسرحية.. ما أدهشنا أن عبدالمعين أخذ يطلق تهديداته المعتادة.. البت دي اتأخرت.. الليلة بكسر رقبتا.. الليلة بتكيها وبضبحا كخ.. لكن حاجة الصبر صاحت مذعورة: أجي يا الحاج بت منو البتجي؟ فقال: ما بت الكلب «مسرة» أجي يا الحاج مسرة ما عرست ومشت مع راجلها الله يسعدا ويعدل ليها خطوتا. كمن فوجيء عبدالمعين صاح.. عرست.. عرست.. ثم انفجر باكياً بكاء بدأ خافتاً ثم تحول الى «جعير» بكى عبدالمعين بكاء «يستر جنازة».