عندما قرر مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية ذات يوم إيقاف عدد من الصحف الرياضية، وتقديم بعض الصحفيين العاملين بها إلى القضاء، وجدت نفسي أقف بشدة ضد القرار، بل سعيتُ سعياً حثيثاً حتى يتم إبطال القرار وإيقاف تنفيذه، ومارست ضغوطاً - فردية - على أكثر من جهة حتى يتم التراجع عن ذلك القرار، وضممت جهدي مع جهد زملائي في اتحاد الصحفيين السودانيين لإبطال القرار، وقد نجحت المساعي المكثفة في منع سيف الإيقاف من ضرب الصحافة والصحفيين. والصحافة السودانية تعيش الآن في أزمة حقيقية مثلها مثل كل مؤسسات وأجهزة الدولة، لكن الحكومة ومن خلال أجهزتها ترى أن أزمات الصحف والصحفيين غير كافية فتزيدها أزمات وأزمات، أو بعبارة دارجة وفصيحة تزيد النار حطباً. بالأمس أصدر الاتحاد العام للصحفيين السودانيين بياناً رفض فيه استمرار إيقاف وتعليق الصحف من قبل السلطات، وطالب الدولة أن تحتكم للقضاء.. وهذا هو رأي كل الوسط الصحفي دون استثناء، لأن الصحفيين يعرفون أن كل معرفتهم واجتهادهم في الحصول على المعلومات متاحة للجميع، وكذلك آراؤهم التي مهما كانت قسوتها في نقد السلطة والسياسات والممارسات فإنها قطعاً لن ترقى إلى تهمة الخيانة أو تهديد الأمن العام. إيقاف الصحف أو تعليق صدورها أو مصادرة عدداً من أعدادها (جناية) لا يبررها قول أو رأي، لأن الفعل سيظل مرفوضاً من الجميع، مرفوضاً حتى ممن يمسكون بخيوط السلطة بين أيديهم، لأن اللجوء للقضاء سيكون دائماً هو الفيصل في مثل هذه المواقف، والقوانين لا تحاكم النوايا.. بل الأفعال.. والأقوال. ما يحدث الآن يشبه (الربكة) لأن غياب الصحيفة المقترن بغياب الحقيقة يولد ألف ألف علامة استفهام، ونجد أننا - جميعنا - قد دخلنا في أزمة كبيرة، واسعة لا نعرف إن كانت أزمة وطن وحريات أم أزمة ممارسة للمواطنة. الصحافة لا تعرف إلا الميادين المضاءة لممارسة عملها وكذلك الصحفيون، لأن مهمتهم المقدسة هي النشر لا التلذذ بالسرية وإخفاء المعلومات وحجر الرأي. نجد أنفسنا في خندق واحد مع الاتحاد العام للصحفيين السودانيين في هذه القضية ونتبنى موقفه لأنه يعبر عن موقف الجميع.. بلا استثناء.