رغم النوايا الطيبة من جانب، والمخاتلات من جانب اخر فان علينا الاعتراف بأننا في قلب ازمة اقتصادية تنذر بالكثير من المخاطر، خاصة في ظل الازمة الاقتصادية العالمية الماثلة، والعقوبات المعلنة والخفية ضد اقتصاديات السودان من قبل الخارج المعادي، وخروج عائدات البترول بخروج الجنوب من حظيرة الوطن الكبير، تلك العائدات التى لم نحسن استخدامها قبل انفصال الجنوب، علاوة على الديون الخارجية التى ارهقت كواهلنا رغم الوعود العرقوبية من قبل الدائنين. ويا للدهشة والعجب فقد ظللنا دائماً نلوك الكليشهات من قبيل ان (الزراعة هى بترول السودان)، و(الزراعة هى مستقبل السودان الاخضر)، واعلنا (النفرة الزراعية) ثم (النهضة الزراعية)، ولكن ظل القطاع الزراعي يتدحرج يوماً بعد يوم حتى استقر على سفح الخيبة، وباتت مشروعاتنا الكبرى في حالة موت سريري بما في ذلك اكبر مشروع زراعي في افريقيا والعالم العربي وهو مشروع الجزيرة الذي كان مفخرة لنا وعموداً فقرياً لاقتصادنا. والآن يتحدثون عن التراجع المريع في قطاع الزراعة المطرية الآلية والتقليدية وظهرت مجدداً الفجوات الغذائية وهى قناع زائف للمجاعات، بالاضافة الى الضربات الموجعة في قطاع النخيل بالشمال النيلي، اما القطاع الحيواني العشوائي فلا (وجيع) له، وينشغل عنه المعنيون بالجدل العقيم حول (إناث الإبل) استنساخاً لجدل البيضة والدجاجة في بيزنطة، واما قطاع الثروة الغابية فحدث ولا حرج اذ صرح خبراء وعلماء البيئة بأن السودان من اكثر الدول ازالة للغابات وان ما يزرع مقابل المساحة الغابية الكلية بالبلاد يمثل فقط 4.5% من المساحة المزالة! وذلك على الرغم من توصية مؤتمر الالفية الجديدة (سبتمبر 2000م) والتى تدعو الى تكثيف الجهود لادارة الغابات وحفظها وتنميتها تنمية مستدامة. والآن بعد ان وقعت الفأس على الرأس ادركنا عواقب الخطايا التى ارتكبناها وبدأنا نتلمس بداية السبيل لمعالجة تلك الخطايا، ومن ذلك دعوة رئيس وفد السودان في الاجتماع السنوي الاخير لمجلس محافظي البنك الافريقي للتنمية لتوجيه موارد البنك نحو (النمو الاخضر) مع مراعاة الخصوصية والمزايا التفضيلية للدول الاعضاء، اما على المستوى المدني ففي اليوم العالمي للبيئة فقد رفع المنتدى الذي اقيم بمركز راشد دياب شعار (الاقتصاد الاخضر)، واصبحت الدولة بقضها وقضيضها تتحدث عن تنمية الصادرات الزراعية كبديل لعائدات البترول من اجل القفز الى خارج الوهدة التى وقعنا فيها بما كسبت ايدينا، واعلنت ولاية القضارف وهى صومعة غلال السودان عن مشروع (الزراعة من اجل الصادر)، ولكن (ربنا يستر) فقد وصف اتحاد مزارعي الولاية المشروع بالغموض، ووصفه البعض بالفشل! ولست من اهل الاختصاص الا انني من القابضين على الجمر وواطئيه، ومن هنا اعتقد ان خارطة الطريق التى يمكن ان تخرجنا من المتاهة لابد ان تكون معالمها الاساسية قائمة على التخطيط العلمي الواقعي الجاد، والتمويل الكافي للخطط بلا عثرات، وان يتزامن تنفيذ البرامج والمشروعات في المخطط بانسجام ودون تداخل سالب، والأهم من كل ذلك، في اعتقادي، وهو وضع الامور برمتها في ايدي اهل الاختصاص، وإبعاد المتنطعين الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفسدون في الارض دون وازع من ضمير، وهم الذين اوردونا موارد البوار وحولوا ارضنا الولود من سلة غذاء العالم الى ما دون (كيس الملاح) ويا لطيف!!