بخلاف الكثيرين لم أعتقد في يومٍ من الأيام أن سر كل هذا الانحياز الأميركي للكيان الصهيوني مرده قوة نفوذ يهود الولاياتالمتحدة، أو ناجم فحسب عن قدرة أسطورية ل(الإيباك)، أو عبقرية للوبي الصهيوني في التأثير على سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة. هذا لا يعني أنني أنكر قوة هذا النفوذ، ولا قدرة هذا اللوبي ونجاعة أساليبه في الضغوط التي يمارسها على تلك الإدارات أو أصحاب القرار في السياسة الأميركية، لا سيما الكونغرس، إلا أنني أرى أن السر في هذا الانحياز الأميركي أساساً يكمن في تواؤم وتلاقي المصالح الأميركية الصهيونية، بمعنى اتفاق مصالح المركز الإمبريالي الإمبراطوري في واشنطن وثكنته العسكرية الوظيفية المتقدمه في بلاد العرب، ومهارة صهاينة الولاياتالمتحدة ولوبياتهم النافذة في مواءمة وتوظيف مصالح إسرائيلهم مع مصالح الإمبراطورية الإمبريالية، هذه التي تعاني انحساراً في نفوذها الكوني وبدت تظهر على سطوتها دلائل الوهن، بل بدايات العد العكسي لسيرورتها الإمبراطورية باتجاه واحدٍ مؤكدٍ هو الانحدار. إن هذا يعني أن الثكنة المتقدمة والوكيل المؤتمن لواشنطن في الوطن العربي والجوار الإسلامي سوف تزداد أهميةً بالنسبة للأمريكان وتأثيراً في سياساتهم مما كان في السابق، أي بعكس ما كان قد بشرنا به البعض في بلادنا. فتعثر وفشل استهدافاتهم من احتلال العراق وورطتهم الأفغانية، وطي مشروع الشرق الأوسط الجديد، وإرهاصات التحولات العربية، أمور زادت من أهمية الكيان الثكنة لدى الإمبراطورية المركز، يضاف إليها أن بروز المراكز الكونية الصاعدة والطامحة في أخذ دورها ونصيبها في قرار العالم، قد أسهم في تآكل وحدانية القطبية الأميركية وجعلها من مخلفات الماضي. التنين الصيني الفتي يوالي صعوده الاقتصادي، والذي بالضرورة سيواكبه ما يوازيه من صعودٍ عسكري، وما يرافقهما من نشدان ما يواكبهما من دورٍ على صعيد السياسة الدولية، وعودة الدب الروسي من إغفاءته الشتوية، وتواصل وجود البوتينية في الكرملن وتصاعد المواقف الروسية الحادة من التغول الأميركي، ثم الهند القادمة، والبرازيل المقبلة، وجنوب أفريقيا المتحفزة.. ويمكن أن نضيف تآكل الأسنان الاقتصادية للحليف الوحيد الدائم الإتحاد الأوروبي... كلها أمور من شأنها أن تجعل من الكيان الثكنة المتقدمة في جوف المنطقة أكثر أهميةً من ذي قبل، ولسوف نسمع عجباً في قادم الأيام عن مفارقات العلاقة العضوية بين الولاياتالمتحدة الأميركية وإسرائيلها. إن المواسم الانتخابية الأميركية الكاشفة عن انتهازية ونفاق وتصهين مرشحي الرئاسة الأميركان، أو المترشحين للهيئتين التشريعيتين الشيوخ والنواب، لا ترجح أسطورية النفوذ الصهيوني الأميركي بقدر ما تكشف عن تقاطع للمصالح بين عدو العرب الأصيل ووكيله المدلل المغروس في أحشائهم، وقدرة صهاينة الولاياتالمتحدة على اللعب في هوامش تلاقي هذه المصالح، واندراج الإستراتيجية الصهيونية عموماً تحت عباءة الإستراتيجيات والمشاريع الأميركية والغربية المعادية للعرب، ثم إن لصهينة المجتمع الأميركي عموماً، وخصوصاً في جزءٍ هامٍ ومؤثر من مسيحييه، وتأثيرات ما يدعون المحافظين الجدد لدور أساس في رفد هذا الانحياز الأميركي ورسوخه، والذي يبلغ الآن مداه في بازارات الموسم الانتخابي الراهن، الذي بدأت طبول مبارزاته الديمقراطية والجمهورية تُدق. لن نتحدث عن الجمهوريين، أو المرشح الرئاسي الجمهوري السيناتور مت رومني، وما أدراك ما رومني، الذي جاء إلى فلسطينالمحتلة حاجاً انتخابياً قبل أيام، وكان قد زارها مراتٍ سابقاً، وحتى مشاركاً في مؤتمر هرتسيليا السنوي الباحث في الشؤون الإستراتيجية المتعلقة بالكيان الصهيوني، فالرجل، كما هو معروف، يزاود في صهينته حتى على صديقه نتنياهو وربما ليبرمان. ولكن سوف نعرض لآخر المكرمات الديمقراطية للإدارة الأميركية الراهنة، ولأكثر رؤساء الولاياتالمتحدة حتى الآن تزلفاً ونفاقاً لصهاينتها، باراك حسين أوباما، أو، وفق بعض الروايات، بركة حسين أبو عمامة، الذي في خطوةٍ استباقيةٍ لحجيج منافسه الجمهوري رومني إلى الكيان الصهيوني بيوم واحدٍ، وقَّع في توقيت مدروسٍ في البيت الأبيض (قانون تدعيم العلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل) محاطاً بثلةٍ من عتاة صهاينة الولاياتالمتحدة اليهود. والقانون هو اقتراح يهودي المنشأ، أقره على غير عادةٍ وبسرعة قياسيةٍ الكونغرس بغرفتيه النواب والشيوخ، حيث صوَّت أعضاء الأول لصالحه باستثناء اثنين والأخير بالإجماع، وكانت الإدارة قد سيَّرت في الآونة الأخيرة عديد الرسل، وستسيِّر المزيد منهم في الأيام القادمة إلى تل أبيب، وكأنما هي الممر الآمن للبيت الأبيض.. وقريباً سيحل وزير الحرب بانيتا ضيفاً على ايهود باراك بعد انقضاء زيارة رومني ناقلاً المزيد من مزايدات أوباما على غريمه الانتخابي. لعل ديباجة القانون تختصر سر هذه العلاقة العضوية بين المركز وثكنته المتقدمة الوكيلة، وأنت هنا لا تكاد تجد ما يشي بالجديد الطارئ على علاقةٍ استراتيجيةٍ راسخة، وإنما التأكيد على قديمها، يأتي بلمسةٍ انتخابيةٍ أكثر نفاقاً وانتهازيةً وكشفاً عن جوهر هذه العلاقة. والجديد ربما هو منح أوباما الكيان الصهيوني مبلغ سبعين مليون دولار للمساعدة في تطوير درع القبة الحديدية، الذي فشل حتى الآن في درء تساقط صواريخ المقاومة الفلسطينية البدائية المنهالة على مستعمراته من غزة الصامدة، والموافقة على تزويد الكيان بطائرات التزود جواً بالوقود، التي قد تستخدم في أي عدوان يتم تدبيره على إيران... قال أوباما إبان التوقيع: آمل (فيما أوقع القانون، مرة أخرى، أن يفهم الجميع مدى التزامنا جميعاً، جمهوريين وديمقراطيين، كأميركيين، بالتأكد من أن إسرائيل آمنة). عبد اللطيف مهنا