منذ بدايات ثورة الانقاذ لم تشهد العلاقات السودانية الامريكية تحسناً فهي كما يقول المراقبون تتعامل بسياسات مختلفة معه تارة «بالجزرة والحصان» واخرى «بالعصا» وطوال سنوات الانقاذ ال(23) لم تبتسم امريكا للسودان ولكنها ظلت تحرك مؤشر رضاها عنه من حادث الى آخر ففي العام الاول والشهر الاول للانقاذ اصدرت وزارة الخارجية الامريكية بياناً تأسفت فيه للاطاحة بحكومة منتخبة إنتخاباً ديموقراطياً وبعد عام تقريباً أو أقل أوقفت الحكومة الامريكية في 8 مارس 1990م المساعدات العسكرية والاقتصادية للسودان !! وذلك تنفيذاً للقرار الذي ينص على عدم تقديم مساعدات للنظم العسكرية التي وصلت للحكم من خلال الإنقلابات ما لم تبد استعداداً لاعادة النظام الديموقراطي خلال ثمانية أشهر، وتفاقمت المشكلة بين البلدين بعد حرب الخليج حيث اغلقت واشنطن سفارتها في الخرطوم بعد أن أعلنت الحكومة السودانية وقوفها مع الحكومة العراقية «صدام حسين» وكان ذلك في 1990م ولم تقف المشكلة عند هذا الحد بل قادت امريكا حملةً شعواء إصطحبت معها الدول الغربية، والمنظمات غير الحكومية، والكنسية، وإدارات ملف حقوق الانسان في السودان، حيث جمعت بعض الحوادث بل وبعض التلفيقات حتى استطاعت ان تضع اسم السودان على رأس قائمة الدول التي تنتهك حقوق الانسان، كما أنها إستطاعت رغم مجهودات السودان أن تعين مراقباً لحقوق الانسان. وفي 1993م اكتمل ما كان ينقص تلك العلاقة العدائية !! فقد وضعت امريكا السودان على رأس قائمتها، والتي أطلقت عليها الدول الراعية للإرهاب، وأوقفت بموجبه كل المساعدات للسودان، وفرضت حظراً للطيران من جنوب السودان واستمر الصراع.. ويقول مراقبون إن أهم الاسباب التي أدت لتوتر العلاقات السودانية الامريكية !! هي تجاهل السودان لامريكا في ملف البترول (النفط) حيث كانت تعتبر نفسها انها المكتشف الاول له، وانها الأحق به إستخراجاً واستفادةً من منتوجه لذا استخدمت كل الملفات بحق و خبرة لتشويه وجه السودان بالرق والتفرقة العنصرية وانتهاكات حقوق الانسان والضغوط الاقتصادية. وخلال أحداث متفرقة ظلت امريكا تلوح للسودان «بالقرين كارت» وتهيئته برفع اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب، بالاضافة لرفع العقوبات الاقتصادية.. وبدأ ذلك منذ شروع الحكومة في فتح صفحة جديدة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي كانت متمردة في بدايات الالفية الحالية، والتي بدأت بمشاكوس، وانتهت بنيفاشا، وما ان استعد السودان للاعلان الامريكي برفع اسمه من قائمة الإرهاب إلا وأن امريكا طالبت السودان بحسم ملف دارفور نهائياً، وادخلت قضية اوكامبو والجنائية كملف اضافي للملفات التي لديها.. ثم عكفت الحكومة على حل ملف دارفور، وما ان اقترب موعد التوقيع على إتفاق الدوحة ! حتى فتحت الجبهة الثورية، واشعل قطاع الشمال ومعاونوه الحرب في النيل الأزرق، وجنوب كردفان، ورغم أن المراقبين يذهبون في وصفهم للمواقف الامريكية تجاه السودان بالمراوغة إلا أن آخرين اعتبروها مواقف طبيعية، تقتضيها مقتضيات الحال. وقد قال بروفيسور بكري سعيد الخبير في العلاقات السودانية الامريكية ومدير جامعة السودان المفتوحة إنه لابد من الوقوف عند العلاقات السودانية الامريكية ودراسة حالتها بدقةٍ لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء توترها ووصف التصريحات الامريكية التي أطلقتها بعد إتفاق اديس ابابا الأخير بين البشير وسلفا بالإيجابية داعياً الحكومة للاستفادة منها في رسم صورة إيجابية للسودان في نظر المجتمع الدولي وامريكا، واستبعد ان تكون امريكا تطلق مبادرات غير حقيقية، وعاد وقال إن تلك العلاقات قديمة وأن المفتوحة كبيرة لذا لابد من التروي في التعامل معها. أما عباس الخضر القيادي بالحزب الحاكم قال: السياسة ليس لها ثوابت، وان المواقف الامريكية والسودانية طبيعية، وتخضع لمجريات أحداث بعينها، ولم يستبعد بدوره تحسن العلاقات بينهما ! لكنه أكد إن الحوار والتعامل مع امريكا لابد أن يكون بنديةٍ تامةٍ . داعياً واشنطن لترك التعالي والعنجهية. وما بين واقع الحال وتحليلات المراقبين وأراء المختصين ينتظر العالم مفاجأة في العلاقات السودانية الامريكية خاصةً بعد إزدياد ثورة المصالح العالمية.