(الأحلام) في عالم السياسة مشروعة لأنها تعتبر الآمال التي يعيش عليها الساسة والحكام والمحكومون، والتخطيط لتحويلها إلى واقع أمر مشروع يتطلب الإرادة السياسية والقوة المادية والمعنوية، لكن كثيراً من (الأحلام) السياسية سرعان ما تتحول إلى (كوابيس) مزعجة، خاصة إذا ما ارتبطت بمخططات توسعية أو بتنفيذ أجندة خاصة وشخصية. حكومتنا في السودان تمثل نخبة سياسية ذات أفكار وتوجهات ورؤى فكرية واقتصادية واضحة، وهي ليست بدعاً بين حكومات العالم من حيث الأحلام والطموحات، لكن ذلك يصطدم بمصالح دول كبرى لا تقبل بلاعبين جدد على ساحات العمل السياسي في مناطق نفوذها. من حق الحكومة السودانية أن تحلم وأن تعمل على تحويل الحلم السياسي إلى واقع معاش، ومن حق الآخرين أيضاً أن يحلموا بما يريدون دون السعي إلى (مصادرة) أحلام الآخرين. الولاياتالمتحدةالأمريكية تريد مصادرة الحلم السوداني في السلام والاستقرار والتنمية، والتأسيس لتجربة حكم يقوم على تجديد المفاهيم الإسلامية في تسيير أعمال الدولة. الحلم السوداني مواجه بمصدات عاتية وقوية، جعلت الحكومة في «الخرطوم» ترفع راية (لا إله إلا الله) دون أن تطبق الشريعة الإسلامية إلا في حدود الأحوال الشخصية وبعض المعاملات! الحلم الأمريكي التوسعي يريد أرضاً خصبة لزراعة المصالح الأمريكية في المقام الأول المرتبطة بحماية الوجود الإسرائيلي في المنطقة، ثم تأتي في المقامات الأخرى محاربة الوجود والنفوذ الصيني الذي بات مهدداً حقيقياً للتوسع الأمريكي الاقتصادي والثقافي في أفريقيا، ومن ثم محاربة المجاهدين الذين يحلمون - مثلهم مثل غيرهم - بأن تكون كلمة الله هي العليا - وهي كذلك - بينما تريد واشنطن ومن ورائها «تل أبيت» أن تطفئا نور الله في تلك القلوب المؤمنة، وأن تحاربا جذوة الإيمان بدعوى محاربة الإروهاب. النفوذ الأمريكي ومن خلفه النفوذ الإسرائيلي قوي وكبير.. لكن الله أكبر وأقوى.. فواشنطن تريد أن تحلم وحدها بأن تسود ثقافتها واقتصادها ومصالحها، و«تل أبيب» تريد أن تحلم ب(الأمان) وسط محيط الكراهية.. السودان عقبة.. نعم.. السودان يشكل عقبة حقيقية لتحقيق تلك الأحلام في المنطقة، لذلك ترفع الإدارة الأمريكية في وجه حكامه إدراج اسمه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتلوح بها في كل موقف وكل حين. الآن تم تمديد العقوبات الأمريكية على السودان بعد أسبوع واحد فقط من اتهام «الخرطوم» ل«تل أبيب» بقصف مصنع اليرموك لإنتاج الأسلحة جنوب العاصمة السودانية، بدعاوي أنه ينتج أسلحة لصالح إيران وحزب الله. «واشنطن» جددت الحظر المفروض على السودان منذ العام 1997م، على خلفية دعمه للإرهاب الدولي وسعيه لزعزعة حكومات مجاورة.. وانتهاك حقوق الإنسان. «واشنطن» شطرت السودان إلى جزئين، وتسعى إلى المزيد من التجزئة، لأن هذا هو (الحلم الأمريكي) الحقيقي في المنطقة.. رغم ما قدمته الحكومة السودانية من (تنازلات) لم تقبض مقابلها سوى الريح، لكنها كانت تحلم أن يكون المقابل فك الحظر المفروض على البلاد خاصة وأن وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت في يوليو من العام الماضي بياناً أشارت فيه إلى أن الخرطوم «كانت شريكة متعاونة في مكافحة الإرهاب». «الخرطوم» ظلت تحلم برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية والداعمة للإرهاب، و«واشنطن» تصد الأحلام المشروعة وتحاربها ولكن.. بأحلام توسعية.