من جديد عادت الخلافات الفكرية بين الصوفية والسلفيين تطغى على الساحة على خلفية الاستعدادات للمولد النبوي الشريف وأحداث أخرى من اعتداءات على شيوخ وقباب وأضرحة وتصريحات متبادلة بين قيادات الطرفين رغم البيانات التي تصدر من الجانبين باحترام الخلاف بينهما، ومن هذا التداعي خرج المجلس القومي للذكر والذاكرين بمبادرة للإصلاح بين الجماعات الإسلامية داعياً فيها لنبذ العنف والتطرف و الخصومة.. مشيرًا إلى أ همية الحوار بينها وفقاً للقواسم المشتركة الكثيرة، والتي يعضدها الإسلام قبل كل شيء منوهاً إلى خطورة ذلك الإختلاف على النسيج الاجتماعي والديني والقومي للبلاد.. آخر لحظة وهي تتابع هذا الملف جلست مع صاحب الرقائق والفكر التوافقي الإسلامي المهندس الصافي جعفر الأمين العام للمجلس القومي للذكر والذاكرين صاحب المبادرة ليوضح لنا خطوطها العريضة.. فإلى مضابط الحوار: حدثنا عن المبادرة الجديدة التي طرحتموها بشأن إنهاء الخلافات مبادرة مابين الصوفية والسلفيين وماهو الجديد فيها خاصة وان لكم مبادرة سابقة في ذات الخصوص؟ - الحقيقة.. هنالك حيثيات دفعتنا لهذه المبادرة وهي أن العام الماضي، طرحنا مبادرةً تحمل ذات ملامح هذه المبادرة لإحتواء ما حدث في المولد النبوي الشريف وفي بعض «الأضرحة» والتي أعتقد انها حققت بعض أغراضها وها نحن على مشارف العام الجديد ومقبلون على إحتفالات المولد الشريف نطرح مبادرة لاصلاح ذات البين، ونبذ الخلافات بين الجماعات الإسلامية من صوفية وأنصار سنة وسلفيين، وكذلك هنالك طرح لفكرة أدب المكاشفة حتى نجلي النفوس، ونطيب الخواطر، ونحن في طرحنا للمبادرة!! نستذكر بعض الحقائق الأساسية من منطلق التاريخ .. فدخول الإسلام للسودان وكان عن طريق الصلح !! وليس عن طريق الحرابة والإقتتال، وليس فيه منتصر أو مهزوم،، هذه واحدة وأيضاً دخل عن طريق أهل التصوف والعلماء «وزي مابقول» دائماً عن طريق الكِسرةَ والإنكسار و(ضحك) وهو يقول )ما الانكسار السياسي !! بل الانكسار هنا هو التواضع... وطريقة الدخول هذه شكلت المزاج السوداني وجعلت من الاسلام سهل الدخول في قلوب السودانيين ووجدانهم.. وسبحان الله أنا اعتقد أن السودان سودان كل الاتجاهات الإسلامية وغيرها، فالآن نحن نشهد أن أنصار السنة دخلوا السودان واكتسبوا كثيراً من الطبيعة التصالحية لأهل السودان وهي أفكارٌ جاءت وافدةٌ من إقليم من «حول السودان» ولكنها عندما دخلت السودان وجدت مزاج التصوف والتسامح هو السائد بين السودانيين تسودنت في كثير من أشيائها.. وحتى غير المسلمين في السودان.. الأقباط مثلاً نجدهم هنا في السودان مابشبهوا الأقباط في مصر، بل إنهم تسودنوا على المزاج السوداني!! والشيوعيون تسودنوا.. والبعثيون تسودنوا.. بمعنى أنهم وكلهم لهم ميزات خاصة عن أصولهم الفكرية.. رغم احتفاظهم بأفكارهم ولكنهم طبعوا بالمزاج السودانى المتسامح والذي فيهم أصلاً، وهو الغالب الذي لون عقلية الآخرين.. ومن هنا كنا حريصين على الإعتماد على هذه «الركيزة» في ابتدار ما نحن عليه من مبادرة صلح وتواثق بين المختلفين بين الجماعتين من أهل القبلة كافةً والمتصوفة وأنصارالسنة والسلفيين مثالاً لنعيد للسودان هذا المزاج واعتقد ان القواسم المشتركة التي تجمع بينهم هي قواسم كثيرة جدًا ... ü مقاطعاً.. ماهي هذه القواسم المشتركة التي تجمع بين أهل التصوف، وجماعة أنصارالسنة والسلفيين ..؟؟ - هي قواسم مشتركة كما قلت وهي تصلح أساس وركائز لبرامج مشتركة أيضاً..ولو تباينت وجهات النظر وعلى هذا الأساس ! جاءت المبادرة على الاقتراب من البعض وفهم الآخر فكرياً وهنا أحب ان أشير لهذه القواسم المشتركة تاريخياً بين المدرسة الصوفية والسلفية... ففي تاريخ السلفيين أن شيوخهم كانوا من «الحنابلة» والإمام أحمد بن حنبل كتب كتاباً عن الزهد وهو من كتب الرقائق ويعتبر مرجعية للرقائق وأرباب السلوك .. الإمام الهروي الذي نشأ في هرا باليمن كتب «منازل السائرين» والغريبة أن منازل السائرين يعتبر مرجعية لأهل الرقائق، لأنه فصل المقامات.. مقامات الوصول إلى الله وكان شيخ الحنابلة بل إن تلميذه ابن القيم متاثر به.. فكتب «مدارج السالكين» متعقباً شيخه الهروي ...في كتابه منازل السائرين لأنه يعتقد أن إمامه في بعض كتاباته أصبح صوفياً فكتب مدارج السالكين.. وهناك ايضاً الشيخ عبد القادر الجيلاني المعروف، وصاحب الطريقة، والقطب الكبير!! رضى الله عنه كان شيخ الحنابلة في بغداد.. وهكذا تمضي المسيرة المشتركة وهنالك ابن تيمية في الفتاوى يُثني على الإمام «الجنيد» ويسميه إمام هدى ..بل نمشي في أمر التصوف ايضاً فنجد أن الشيخ الأكبر محي الدِّين ابن عربي كان «ظاهري المذهب» من الظاهرية.. فهذه قواسم مشتركة موجودةٌ.. وهي تجمع بين الناس ولن يعدموا التواصل.. حتى على مقياس سودانيتنا نجد أن الشيخ الهدية زعيم أنصار السنة وأنا في اعتقادي أنه من أكثر الناس الذين سودنوا مذهب أنصار السنة هو والشيخ أحمد حسون وشيخ الهدية كان عنده علاقات واسعة جدًا مع أهل التصوف.. بل إن نتيجة ذلك ان إبنه وزميلي المهندس عبد القادر كان صوفياً !! ويقرأ لمحي الدِّين ابن عربي، وهو يسكن معه في بيت واحد.. لذلك اعتقد أن المزاج الحاد في شكل التدافع جديدٌ على السودانيين وما كنا بنعرفه.. ولذلك هذه كلها حيثيات تجعلنا نبادر ونطرح ميثاق شرف أخلاقي يتفق عليه الجميع .... ü إذًا حدثنا عن الملامح العامة للوثيقة والمبادرة للإصلاح بين الجماعات الإسلامية وأهدافها وفي أي طور هي الآن، وهل استصحبتم الحكومة فيها؟ - هي مبادرة وميثاق شرف يرتضيه الجميع، ويلتزموا فيه باخلاق الإسلام وأدب الخلاف، وتحريم الإساءات ،، وشخصنة الخلافات، وهي مبادرة وميثاق تركز على المخاطر والتحديات التي تحيط بالإسلام محلياً وإقليمياً ودولياً ،وعن كشف المؤامرات، ونشر الوعي،و حتى توجه طاقات المجتمع لرد أي عدوان قادم، وهي مطروحة لكافة الجماعات الإسلامية، وفيها تحديد طريقة المحاسبة الصارمة، لمن يخرج عنها ، وعلى صعيد السودان كله في سبيل معالجة العصبيات، والجهويات، التي أطلت بوجهها.. ونرى أن المعالجة في إعادة النظر في بعض مواد الدَّستور فيما يتعلق بالحكم الإقليمي، وضرورة تطبيق المتدرج حتى ينضج الوعي القومي، والشعور بالوطن الواحد، وكذلك نشر الوعي القومي وتعميق الشعور بالوطن.. وهي مهمة شعبية تقوم بها الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، من قادة ودعاة مشائخ وعلماء وأساتذة جامعات ...وعن «طورها» هي مبادرة جاهزة ومعدة ونحن نمضي في تنسيق كامل مع الحكومة ممثلة في ولاية الخرطوم، والأخ الوالي الدكتور عبد الرحمن الخضر، ووزارة الشئون الإجتماعية، وكل الجهات الرسمية المعنية، لاستكمال الجهد الرسمي، بالإضافة إلى الجهد الشعبي والدَّعوي ، وكذلك كافة مستوى الشيوخ، والدعاة، والعلماء، في السودان ... ü رابطة علماء التصوف أفتت بعدم جواز وجود السلفيين في ساحات المولد النبوي الشريف تفادياً للإصطدام !! وهي (سابقة) فكيف ترون هذه الفتوى ؟ - اعتقد أن المولد النبوي «سوق» من أسواق المعرفة وكلٌ يعرض بضاعته ليكسب الآخرين متى ما كان عرضه جاذباً.. و هذه ضرورة لأننا كأمة سودانية معرضون الآن لأخطار التفتيت !! وطمس الهوية، واستلاب فكري متواصل، ولذلك لابد من تذكير الطرفين لو تمكنت تلك الاخطار من المجتمع لجبت كلا الطرفين، بل جبت أمر الاسلام ذاته في السودان فلابد ان نتذكر هذه المخاطر، ونتنادى الى شيء يجمع ولا يفرق، يصلح ولا يفسد، يداوى ولا يجرح، للامة حتى لو في الحد الأدنى لكل شيء ... ü لكن رغم هذه المبادرة والتي سبقتها والرسائل التي ترسلونها بشأن اصلاح ذات البين تظل هذه الرسائل على مستوى القيادات والشيوخ ولا تتنزل إلى القواعد من المنتسبين للجماعات الاسلامية والتي تلجأ للعنف على طريقتها ؟ - حقيقة هذه مشكلة ...ولكن نحن زيادة على إتصالنا بكبارهم ! طرحنا ورقةً بعنوان (فن التعايش بين السوداني)ن وليس تعايشاً بين المذهبين «صوفية وأنصار سنة أو سلفيين آخرين»لكنه تعايش بين كافة الديانات في السودان نبذًا للعنف والتطرف.. ودعوة الى الإخاء والمحبة.. والعيش بروح الإسلام السمحة.. والمعاملة الطيبة بشكل عميق. وأنا قدمت هذه الورقة واشترك فيها عددٌ من أرباب الفكر ممثلين في الأب فليب ثاوس فرج، والاستاذ عبدالله حميده، والبروفسير عبداالله الريح، وذلك بمنتدى الرقائق، وبمنتدى راشد دياب، وكذلك المركز السوداني للخدمات الصحفية. ورسالتنا لكل المثقفين والإعلامين ايضاً في أهمية فن التعايش للسودانين و نبذ العنف، ولهذا أقول اننا ساعون في توصيلها الى أبنائنا الشباب قبل الكبار لأنهم المستقبل حتى لا يكون العنف والتطرف طريقهم علينا ان نواصل في توعيتهم وارشادهم بالمحاضرات ، والدروس وغيرها من البرامج التوعوية بدورهم وأصل الإسلام في المعاملة واحترام حقوق الآخرين في ديانتهم ومعتقداتهم وطرح الأفكار عليهم بالتي هي أحسن وليس بالقوة والتكفير والتقتيل والعدوان والفجور في الخصوم وأنصاف الخصوم وضرورة العمل بأدب المكاشفة بين الناس كما سبق أن قلت أنه عمل موازٍ للمبادرة في إصلاح ذات البين والخلافات بين الجماعات الإسلامية...