وقطعاً وطبعاً.. ليس حديث ثورة في الثورة.. نعني به تلك التحفة الرائعة التي كتبها عملاق الأدب والإنسانية.. والاشتراكية «روجيه دوبريه».. ذاك الرائع الذي وثق عبر كتابه الرهيب «ثورة في الثورة» لقصة كفاح وصعود فيدل كاسترو الذي كان وما زال وسيظل شوكة سامة في خاصرة الولاياتالمتحدة.. وهو يدفع ب«كوبا» إلى المجرات البعيدة.. لتدور مع الأفلاك.. حديثنا عن الأحبة في المؤتمر الوطني.. الذين أعلنوا عبر الفضاء وتحت هالات الضياء أن التغيير في السودان حتمي وضروري.. وطبعاً لم يطلق هؤلاء الإخوة ذاك الشعار أو النداء.. كرماً وتلطفاً وانحيازاً لسواد عيون الشعب.. ولا كان النداء ومركبهم يمخر آمناً عباب الماء.. أطلقوا هذا النداء أو الشعار بعد أن تيقنوا أن الإبحار السلس والمنزلق في خفة ورشاقة بات مستحيلاً مستحيلاً.. ولا نملك غير أن نقول إن الرجوع للحق فضيلة.. وأن نقول شيء أفضل من شيء.. وأن نقول ليس عيباً أن تسقط.. ولكن كل العيب أن تظل متقوقعاً ولا تنهض.. صحيح أن مركب هؤلاء الأحبة قد أبحرت لمدى ثلاث وعشرين سنة وتزيد دون أن تصل إلى الشواطيء الآمنة.. والضفاف المترفة.. فكان لابد للبحارة من اختيار طريق آخر يقود إلى «البصرة».. وها نحن ننتظر.. ولا نقول نحلم.. ولكن قطعاً نريد ثورة في الثورة.. وحتى لا يرتعد ولا يفزع الأحباب في المؤتمر الوطني.. نريد منهم أن يقوموا هم أنفسهم بالثورة.. وليس ذلك يأساً من شعب السودان.. ولا تقليلاً وتهويناً من شأن الأحزاب.. ولكن لأنهم هم أنفسهم من قالوا إنهم سوف يقومون بالتغيير والذي هو حتمي وضروري.. وقد يسألنا سائل أو «ينط» لنا في «حلقنا» لماذا كلمة «الثورة» إذاً.. لماذا لا تكون الكلمة المناسبة هي ما ورد على ألسنة «أصحاب الجلد والراس» في المؤتمر الوطني وهي «التغيير».. نقول إن الإنقاذ نفسها قد أتت «بثورة» على النظام الديمقراطي.. وحدث التغيير.. وها هي الإنقاذ تنوي التغيير.. ونريده ثورة على الثورة.. لأن المشهد الآن على أرض الوطن.. أشد بؤساً وهزالاً من ذاك الذي ثارت عليه الإنقاذ.. وبالأمس أوردنا فقرة من بيان «الثورة» ثورة الإنقاذ الوطني.. الذي انطلق في فضاء الدنيا وظلل كل سماء السودان.. واليوم نعود له بالتفصيل.. والمقارنة لتصبحوا مثل الحبيب محجوب سراج.. وأنتم تتلون ذاك البيان وأشدو معه.. مرة أضحك ومرة أبكي ومرة أتحمل أساي.. ومرة أهرب منو واشكي.. والآن.. نقول.. يا نزلانا أمرقوا الذمة.. لا دعكم من نزلانا.. فقط نطلب من الأحبة في المؤتمر الوطني حصرياً والإنقاذيين عامة.. أن «يمرقوا الذمة ويشهدوا بالحق».. مستوصين رقابة ضمائرهم والخالق.. وهم يقرأون ويقارنون.. قالت فقرة في البيان الأول.. «يعني» قبل ثلاث وعشرين سنة وتزيد «لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية.. وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطن الحصول على ضرورياته إما لانعدامها أو ارتفاع أسعارها مما جعل الكثير من أبناء الوطن يعيشون على حافة المجاعة.. وقد أدى التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة.. وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج». انتهت هذ الفقرة.. التي جعلت عيوننا تخرج عن محاجرها.. بل بدأنا نشك في سلامة عقولنا.. وتتدفق الأسئلة كوابل المطر.. هل نحن في حلم أم يقظة.. وهل نحن الآن نعيش الترف.. وسهولة المعيشة ورخاء الحياة.. ورخص الأسعار.. هل نحن الآن نشهد مدارس كاملة الإجلاس.. ومدرسين وطباشير.. وسبورات.. وبيئة مدرسية بها الحد الأدنى من المطلوبات.. وهل نحن نتعالج بالمجان.. وأدوية بالكوم.. وأطباء على أهبة الاستعداد.. وممرضات كأسراب الأبيض من الحمام.. أم نقول.. كانت لنا أيام.. ليتنا عدنا.. وعادت الأيام.. وبكرة نتلاقى