وفق تقديرات خاصة أرى أن هذا هو آخر موسم تلفزيوني رمضاني لبرامج الحشد الغنائي في السودان الذي بدأ بقناة تلفزيونية واحدة، لينتقل صورة طبق الأصل لبقية القنوات.. وتقوم هذه التقديرات على عدة ركائز منطقية، منها أن تكرار تنفيذ الفكرة يفقدها عنصر الدهشة ويطفيء البريق، وثانيها إن الملل سرعان ما يدب في نفوس المشاهدين بسبب ذلك التكرار، وثالثها محدودية الذين يؤدون فعل الغناء ويرددون الأغاني، ورابعها حصرالأداء والغناء في فترة محددة من تاريخ الأغنية السودانية لا مجال فيها لأغنيات العصر أو الأغنية الشبابية اتفقنا معها أو اختلفنا. .. وهناك ماهو أهم وأخطر من كل الذي أشرنا إليه وهو نقل الفكرة الأولى ومحاولة تنفيذها بعد التقليد في بقية القنوات كأنما عقمت الأخيلة والعقول عن إنتاج أفكار جديدة، بما يؤكد ما ذهب إليه الكثيرون من سيطرة نظرية أو قُل عقلية التقليد لدينا في السودان لذلك عندما ينجح مشروع «الركشة» كاستثمار ذي عائد بسيط تمتليء شوارعنا بالركشات.. وكذا الحال في مشروعات الحافلات، ومحلات بيع الأطعمة والمشروبات المتشابهة.. ومنها مشروع البرنامج الغنائي الناجح (أغاني وأغاني) الذي يعده ويقدمه أستاذنا الكبير السر قدور، الذي ملأ كل الشاشات بأسماء مختلفة وعدة ومقدمين، حتى إن إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة نقلت الفكرة و(انثتها) وأسمت برنامجها (بنات حواء) ليس فيه من رجل إلا أسماء آباء بنات حواء. ثقافتنا ليست كلها غناء ولا (صفقة ورقيص) فهي ثقافة واسعة وعريضة وعميقة في آن، ونحتاج إلى أن نروح عن أنفسنا ساعة بعد ساعة ولكن لا كل الوقت في كل الشهر، وفنون العمل البرامجي والتلفزيوني الجاذبة عديدة، فيها الحوار الأخاذ الجاذب، ومنها الدراما التي لو اهتممنا بها لكنا في المقدمة، ونستدل على أثر الدراما السودانية القوي في الدول التي حولنا أن شوارع كثير من المدن التشادية كانت تخلو أو تكاد لحظة عرض مسلسل (دكين) السوداني منتصف التسعينيات من القرن الماضي.. وهناك البرامج الرياضية الراقية والدينية التي تخاطب المشاهد في التلفزيون والمستمع في الإذاعة بلغة العلم والدين الدارجة الشارحة، ولنا من العلماء من تتسابق محطات التلفزة الخارجية عليهم من أمثال الدكتور عصام أحمد البشير.. وآخرين. تقليد برنامج (أغاني وأغاني) ومحاولة نقله (بالمسطرة) في القنوات المنافسة أضر بالبرامج والبرامج المتشابهة، وبالقنوات وبالمشاهدين وكون رأياً عاماً سالباً ضد الفكرة من أساسها لأنها بدلاً من أن تكون (جزءاً من كل) في البرامج أصبحت كلاً من كل، لذلك أخذ أئمة المساجد في مهاجمة البرنامج بمسمياته المختلفة ودخل الشباب في مسلسل الهجوم يوم أمس عندما شن المهندس عبد المنعم السني، أمين الشباب بالمؤتمر الوطني - وهو حزب يرعى الفنون - هجوماً عنيفاً على سهرات وبرامج الأغاني في التلفزيون ووصفها بالفاسدة وطالب بمساءلة معديها ومقدميها والمشاركين فيها.. وقد جاء الهجوم من داخل مسجد أبو سعد عندما كان يخطب في المصلين في صلاة الجمعة. تذكرتُ - وأنا من المحبين للغناء والشعر والفنون - أقول تذكرتُ أغنية خفيفة لطيفة للفنان الراحل خضر بشير-رحمه الله- كان يقول في أحد مقاطعها:- السكسكة والميسان كم ضيّعت فرسان و«السكسكة» مفردة دارجة توصف بها حالة الشخص الذي يتملكه الطرب ويأخذ بمشاعره فلا يستطيع السيطرة على حركته أو فعله.. و.. وكل عام وأنتم بخير.