رغم رسوخ المفاهيم الوطنية، وتشبع القلوب والعقول بها، وخطوطها الحمراء التي لا يجوز تخطيها،إلا أننا كدولة كثيراً ما نخفق في التمسك إلى حد العناد بالسقوفات الوطنية المتفق عليها، ومردُ ذلك تفكيرنا السياسي أو إرثنا الإجتماعي المجامل أو المتحامل أحياناً، وانعكاساته على الطرق المؤدية إلى البيت الدبلوماسي، من حيث القوة والصلابة والتمهيد لإتخاذ أى قرار أو إتباع أية خطوة، وهو مستند أو مطمئن إلى متانة سقوفاته الوطنية في جميع الأصعدة، وأنها لا تتأثر بعواطف إثنية أو وشائجية وذلك كما تتعامل معنا وتفعل بنا الدول الأخرى.. الملاحظ أن كل الدول بلا إستثناء مهما اختلفت أنظمتها التي تتوالى على حكمها تتفق جميعها على ثوابت وسقوف، تُحظى بإلإحترام الكامل إلا هذه البلدة الطيبة، فالبساط بينها وغيرها- «حتى من ثبت عداءه البيِّن»-أحمدي، بالطبع إسرائيل.. لا نتنازل نحن عن بعض السقوفات ويتمسكون هم بسقوفاتهم، بل يرفعون سقوف مطالبهم كل ما ازدادت مجاملتنا، هكذا علَمتهم تربيتهم الوطنية والدبلوماسية وأمثلتنا على هذا كثيرة. المعلوم أن الحدود الشرعية لا تتغير ولا تتبدل تبعاً للعصور والشخوص أمماً كانوا أو أفراداً، بل تتعدل أساليب التنفيذ ووسائله وتبقى السببية والحيثية والعقوبة الشرعية كما هي، فكذلك الأوطان رغم أن حدودها السياسية والجغرافية من صناعة البشر، لكنها تبقى في النفوس ظلالاً، وفي الدماء مجراها، وفي الأفواه مغناها، والمهج والأرواح كل ما حزب الأمر فداها، إن مطالب الوطن للريادة والإرتقاء لها قِمم وسقوف وسفوح تتدافع الجموع لبلوغ الأولى، وفيها يسقط الشهداء ويمضوا، ومن لم يبدِل صنع السقوف وحدد تكوينها وأرسى لها القواعد المتينة في السياسة والإقتصاد والدبلوماسية القوية. لاحقات الأحداث ومترتباتها أخنت بالثواقل العالمية والإقليمية على الدولة، فهي رغم أنها لم تدخل في أحلاف عسكرية أو سياسية، إلا أنها تأثرت برياحينها ورياحها فوجدت نفسها تنفذ مع غيرها أشكالاً متعددة من المناورات السياسية والإقتصادية والعسكرية، وكلها بأثمان دفعت بعض الأجيال قيمة فاتورتها الباهظة، لقد إختُرِقت بُنيَاتِنا الأساسية بِنِيَاتِنَا الطيبة وعفويتنا التي لعِبت «سيبك»الرسمية وما زالت تلعب دوراً فاعلاً في الخرق ثم التفتيت والهدم تحت سمعنا وبصرنا كدولة. إستدلالاً وليس استعداء، لقد كان لعدم تمسكنا بالسقف السياسي ودعائمه الدبلوماسية والعسكرية أن مناطق عزيزة في الشمال قالت لقد أخذوني وبعضها في الجنوب مالم نتمسك بالسقف السياسي وذات الدعائم، سيقول لقد تخلو عني وساعتئذ لن تنفعنا لغة أكلوني البراغيث أوظلموني الأحبة.. إن عدم تماسك السقف السياسي أحياناً وليونة السقف الأقتصادي وغياب المنظورالإستراتيجي الفاحص، قادنا في ستينيات القرن الماضي لِطَمر حضارة النوبة تحت مليارات أو تريليونات الأطنان من المياه والأطماء بمقابل لم يرقَ أبداً إلى مستوى تلك التضحية، ومرد ذلك أن وعينا الرسمي وقتئذ بالسقوفات داخلته سوسة السياسة اللعينة حتى جاء زمان نستجدي فيه أو نتحايل للتمتع بحقوقنا من ما يجري بيننا ثم حلايب التي بقصور الرؤيا المتكاملة لم ولن تكون منطقة للتكامل، كما أن إتفاقية الدفاع المشترك كأنما صُمِمَت وهُندِسَت لسفلتة وتمهيد الطريق إليها فقط، تحقيقاً لتمسُك القيادة المصرية بسقوفاتها التي أتفقت عليها حكوماتها المتعاقبة ومازالت، واقعنا الحالي يحكي عن حريات أربع رفعنا عنها الحواجز والقيود من طرف واحد، وأُحكمت علينا حواجز لم تنفعنا فيها أهازيج التكامل، ولا الإستثمارات التي فتحنا لها الباب على مصراعيه وبلا سقوف، فكما طٌمِرَت حلفا القديمة تَطمُر الصناعات المصرية أسواقنا بلا توازن ِفعِلي إلا ورقي حظه من التنفيذ كالدقيق المنثور فوق شوك ثم قالوا لحفاة يوم حر أجمعوه، يبدو أننا والحق يقال في حاجة لمراجعة مفهومنا الإستراتيجي للسقوفات الوطنية وتحديداتها، فرائضها ومندوباتها في عالم تستجد قواعد لعبة المصالح الدولية التي تسقط بسببها كل الأقنعة الزائفة أو العميلة أو ذات الغرض. شرقاً وغرباً لدينا سقوفات يجب أن لا تشغلنا الأحداث الداخلية أو الإقليمية عن تأكيدها وتمتينها، ولتعلم كل الأطراف المعنية الخطوط التي لا يُسمح بتخطيها رغم التداخلات الإثنية.. أما جنوباً فقد تأثرت السقوفات بمستجدات الساحة السياسية والدبلوماسية إقليميا ودولياً، ورغم خطوات التقارب «التي ينبغي إبعاد العاطفة الوشائجية منها» والنوايا الحسنة التي أبداها السودان إلا أن حكومة الجنوب في سعيها لتنفيذ الأجندات الغربية بالوكالة لن تتوانى في المساس بالسقوفات الوطنية السودانية، من باب الكيد السياسي أو الدبلوماسي ورأس الرمح في كل ذلك محاولة تدمير البنية الإقتصادية والأخلاقية، الأمر الذي يتطلب من القائمين بالأمر التحلي بدرجات عالية من الصبر والتمسك بالسقوفات الوطنية كما على الشعب، المؤيد منه والمعارض إسناد حكومته بتماسك جبهته الداخلية.. ثم نقول للذين يرون عدم تحديد السقوفات الوطنية أو تجاوزها- ولو مرحلياً- لتكامل أو استثمار إننا مع التفاوض والتفاهم والتعاهد ثم التكامل، ثم الإستثمار مادام فيه الخير، ولكن بسقف محدود وفعل مرصود، لقد ملت وكلت أسماعنا الوعود فهي لا تعبر الحدود. فريق ركن