تناولنا في الحلقتين السابقتين، ورشة العمل القيمة التي نظمها مجلس الولايات، على مدار يومين كاملين لبحث ومناقشة قضية تعزيز القدرات الفنية لمنسوبي الأمانات العامة بالمجالس التشريعية القومية والولائية، ولقد استعرضتُ في الاسبوع الماضي الملامح الرئيسة للورقة التي قدمتها حول دور التكنوقراط بهذه المؤسسات النيابية، في مساعدة اللجان الدائمة. على أداء مهامها كأذرع فنية للبرلمان، وهو يضطلع بوظائفه الدستورية التشريعية والرقابية. ü ولقد حُظيت الورقة كغيرها من أوراق المنتدى، بنقاش ثر، وحوار موضوعي، عبر مداخلات، وإضافات، وتساؤلات، أكملت عملية العصف الذهني، وأضفت حيوية دافقة على مسار الحوار. ü ولقد إبتدر التعقيب الأستاذ العالم طارق المبارك المستشار القانوني لمجلس الولايات، والذي أبرز جملة من الملاحظات، والإفادات المهمة، وطرح مقترحات جديرة بالإعتناء والاحتفاء. ü ومن بين المسائل التي تطرق لها الأستاذ طارق، الدور الحيوي للمعلومات في تجويد أداء اللجان وفي رفع مستوى تقاريرها، وتلك بالطبع من الوظائف الأساسية لمقرري اللجان، والذين طالبهم السيد المستشار بألا يكتفوا بالبيانات التي يقدمها الوزراء، إذ أن عليهم- أي المقررين- أن يمكنوا أعضاء اللجنة من الإلمام بجوانب الموضوع قيد النظر من زواياه المختلفة، وليس من وجهة النظر الحكومية البحتة. ü وتطرق الأستاذ المستشار إلى ظاهرة ندرة وقلة المبادرات التشريعية النابعة من البرلمان، وللحق فإن التجربة البرلمانية السودانية على تطاول عهدها، لم تشهد إلا إجتهادات فردية في هذا المجال بدليل أن عدد التشريعات التي إقترحها أعضاء البرلمان، وفي كل العهود التشريعية المتلاحقة لا تتجاوز عدد أصابع اليدين، وذلك يعود بالطبع للتفاوت الكبير بين قدرات الحكومة من جهة وإمكانيات الأعضاء من جهة أخرى، فالأولى تحوز على المعلومات الوفيرة، كما تملك الكادر البشري المدرب، فضلاً عن مصادر القوة والمال، بينما لا تملك المؤسسات التشريعية العدد الكافي من الخبراء والمستشارين والمتخصصين. ü وكما لفت الأستاذ المستشار، الإنتباه إلى ضرورة العمل على تقنين الأعراف البرلمانية وتضمينها في لائحة المجلس، وإلى تبادل الخيرات بين المجالس التشريعية الولائية فيما بينها، ومع مجلسي الهيئة التشريعية القومية، واختتم مستشار مجلس الولايات حديثه بالدعوة لتحسين شروط خدمة العاملين بالبرلمان، ورصد الموازنات الكافية للتدريب والتأهيل والتفكير جدياً في البرلمان الالكتروني الذي لا يتعامل مع الورق إلا لماماً، تماماً مثل الحكومة الالكترونية. ü وبعد الأستاذ طارق، تعاقب على المايكرفون متحدثون كُثر، طرحوا أفكاراً نيرة، وعبروا بصدقٍ عن طبيعة الإشكاليات العملية التي تواجه مقرري اللجان، كما دفع بعضهم بتساؤلات ذات سمة فنية وقانونية، وحيث أن المجال لا يسمح هنا بالتعقيب على كل تساؤل لوحده، فقد آثرت أن اختم هذه الحلقة بتناول ثلاثة فقط من أبرز الاستفسارات التي أثيرت. ü التساؤل الأول كان عن مشروعية إصدار مراسيم مؤقتة ولائية تتعلق بالموازنة والايرادات المالية، وكانت الاجابة أن المادة 109 الخاصة بالمراسيم المؤقتة القومية في الدستور القومي لسنة 2005م، تخرج مسائل معينة من دائرة المراسيم المؤقتة، مثل الانتخابات والتشريعات الجنائية، والتخصيص السنوي للموارد والايرادات المالية، والحكمة في ذلك ظاهرة، ومفادها أن فرض ضرائب على الشعب، أو تحديد أوجه التصرف في الايرادات، مسألة على جانب كبير من الأهمية، تقتضي أن تخضع لتدقيق وتمحيص من قبل ممثلي الشعب، الأمر الذي لا يتأتى عبر آلية المراسيم المؤقتة، ووسيلته المثلى هي مشروع القانون العادي، الذي يجتاز أربع مراحل تشريعية، تتيح للأعضاء فرصاً كافية لمناقشته وإقراره. ü والتساؤل الثاني كان بشأن إلزامية توصيات المجلس التشريعي الموجهة للجهاز التنفيذي، ولقد أوضحنا رداً على هذا التساؤل، أن القاعدة والمبدأ المعمول به في كل برلمانات العالم، أنه بإستثناء التشريعات لا توجد الزامية لقرارات المجلس في المسائل التي تدخل في إختصاص السلطة التنفيذية، وهذا لا يعني أبداً أن مقررات المجلس التشريعي وتوصياته لا قيمة لها إطلاقاً، بل لها قيمة ووزن أدبي ومعنوي وسياسي، وأن على الجهاز التنفيذي أن يتعامل معها بجدية واحترام، فإذا درجت السلطة التنفيذية بصورة متواترة على تجاهل وجهات نظر نواب الشعب، فإن ذلك قد يدفع هؤلاء النواب إلى استخدام الصلاحيات الرقابية المتاحة لهم للنيل من الحكومة وتعطيل مشروعاتها، وربما سحب الثقة من بعض وزرائها. ü النقطة الأخيرة كانت حول معايير ممارسة مجلس الولاية لدوره الرقابي تجاه القوانين المحلية الصادرة من المجالس التشريعية المحلية، وفي ذلك نقول إن معظم قوانين الحكم المحلي الولائية تعطي مجلس الولاية الحق في تعطيل أو الغاء التشريع المحلي، ومن المفترض أن تكون رقابة الولاية على المحلية في مجال التشريع رقابة مشروعية، لا رقابة ملاءمة، وبكلمات أخرى أن يقتصر حق التدخل فقط على الحالات التي يخالف فيها القانون المحلي الدستور أو القانون.