من نعم الله على عباده أن صلة العبد به لا تحتاج إلى واسطة.. فتخيَّل ما عليك أن تجتاز من عوائق لو أن لك حاجة لدى مسؤول ما.. فبدءاً يتوجب عليك البحث عن وسيط ييسر لك مقابلة المسؤول هذا.. ثم ثانياً عليك أن ترتدي من أنيق الملبس ما يضمن لك تجاوز عقبة موظف الاستقبال حتى لا يستصغر شأنك.. ثم ثالثاً أن تضع أعصابك في ثلاجة لتتحمل (ثقالة) مدير المكتب ريثما ينتهي- كالعادة- اجتماع يعقده المسؤول.. أما رابعاً- وكما هو متوقع- فإن المسؤول يستمع إلى حديثك بلا مبالاة ليقول لك مقاطعاً وهو ينظر إلى ساعته: (دع ورقك وسوف ننظر فيه).. ثم يكون مصير ورقك هذا- في الغالب- هو سلة المهملات بعد أن يلقي إليه المسؤول نظرة الوداع.. وكلمتنا هذه- للعلم- مستوحاة مما قصه علينا أحد مظاليم زماننا هذا وهو يغالب دموع الرجال.. فقد اضطر إلى طرق أبواب من هم (إخوة) لظالميه.. اضطر إلى فعل ذلك بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت.. فهو لا يجيد سوى مهنته التي نذر لها نفسه وعلمه وعمره.. ثم حين يُقال له- وقد مضى من العمر هذا أنضره- (استغنينا عنك لدواعي الهيكلة) فإنه يُعذر إن انهار هيكله الجسدي جراء وطأة تداعي هياكله الحياتية.. ورغم إننا لسنا في مقام الناصح التقي- حياءً من الله- إلا أن الذي نعلمه من واقع تجارب مشابهة بذلناه للشاكي هذا.. فالشكوى لغير الله مذلة سيما إن كان المشتكى إليهم من ذوي قلوب كالحجارة أو أشد قسوة.. ذكَّرناه بالحديث النبوي القائل: (اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب).. فهي تصل إلى السماء مباشرة دون واسطة أو استقبال أو مدير مكتب ثم لا يكون مصيرها سلة المهلات.. وبعض المظلومين يظلمون أنفسهم بأكثر من الذي هو واقع عليهم حين يجعلون شكواهم إلى الله تمر عبر وسيط بشري.. ثم تكون المصيبة أكبر إذا كان الوسيط هذا (تحت التراب).. فليجرب المظلومون رفع ظلاماتهم إلى الذي حرَّم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرماً.. بل إن الظلم- حسب شيخ الإسلام ابن تيمية- قد يكون سبباً في حجب نصر الله ولو كان الظالمون يتلون آياته آناء الليل وأطراف النهار.. وقد يكون العدل- حسب ابن تيمية كذلك- مُجلباً لنصر الله هذا ولو كان العادلون في عداد الكفار..