واقع الراهن بين السياسة والدعوة كان موضوع حوارنا مع الشيخ ميرغني محمد عثمان الوزير السابق والشيخ الداعية المعروف والأمين العام لهيئة الدعوة الإسلامية. الحوار تطرق للقضايا الراهنة، ونظر الداعية لمثل هذه التحديات الماثلة الآن، تكلمنا عن الدعوة وعن الفتاوى ومتى يقول المفتي رأيه؟ ومعادلات الحرية والسلام وقضايا المجتمع بكل تعقيداتها وتشريعاتها، وكانت الحصيلة هذا الحوار: كيف يمكن أن تكون أبو كرشولا منطلقاً لدحر المتمردين وغرس روح الفداء للوطن؟ - يمكن أن نأخذ قضية تحرير أبو كرشولا من الناحية الدعوية، وكيف يمكن أن تكون لغرس روح الوطنية والفداء في سبيل حفظ الأرض والعرض وإمكانية رفع مستوى التعبئة والجهاد وسط الشباب وامتصاص آثار الحرب بإيواء المتضررين وجبر خواطرهم ومدهم بضروريات الحياة، كل هذا يندرج تحت العمل الدعوي، كما أن هذه الأنشطة يمكن أن تسبق الحروب وتحول دون قيامها بنشر قيم ثقافة السلام والتعايش بين طوائف المجتمع السوداني. وماذا عن انتماء السودان العربي الأفريقي والتوافق بين المكونين؟ - في وجود القيم العليا نحو الأمور الجامعة، الناس يوظفون انتماءاتهم الدنيا لخدمة الانتماءات العليا، ولا ننكر انتماءات الناس الخاصة، فالله سبحانه وتعالى خلق الناس شعوباً وقبائل، والتكوينات الاجتماعية إنما جعلها الله لتكون سبباً للتعارف والتعاون على البر والخير، ونحن كسودانيين يجب أن نسخّر كل طاقاتنا والقيم الكامنة في القبيلة لتعزيز قضايا الوحدة الوطنية وقضايا الأمة أجمع، على المستويين العربي والأفريقي. ويمكن أن تكون ولاءات الناس متراتبة يخدم أدناها أعلاها وهذا أمر لا يمكن بناؤه وتعزيزه إلا عن طريق الدعوة. في هذه الحالة كيف يمكن أن يكون انفصال جنوب السودان مدعاة لتعزيز الوحدة الوطنية؟. - يحضرني هنا ما ذكره الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية خلال ملتقى ثقافي ذكر فيه أن من أسباب انفصال جنوب السودان التقصير في العمل الثقافي، ذلك أن الثقافة عامل قوي وفعال في توحيد مشاعر الناس،ولا شك أن الدين هو العامل الأول في تشكيل ثقافة المجتمعات، ذلك إذا ما أحسنا عرض الدين بفهم عميق لمقاصده وعكسنا سعته وشموله ولذلك لا يجب أن يكون التعويل فقط على الحلول السياسية والأمنية والعسكرية، تلك عبرة بارزة من انفصال الجنوب ينبغي أن نستحضرها ونحن نسعى لتعزيز وحدتنا الوطنية. هل للدبلوماسية الشعبية دور مهم إلى جانب الدبلوماسية الرسمية في القضايا الوطنية؟. - لعلك صغت هذا السؤال بناءً على تجربتي الخاصة في اليمن.. ولكن أوسّع هذا الأمر لأقول إن كثيراً من المهام التي تقوم بها الدولة ليست حكراً عليها، فإن للأمة دوراً متعاظماً ربما يسبق دور الدولة.. فالدولة الراشدة هي التي تفسح المجال للمجتمع ليقوم بوظائفه تعزيزاً لدور الدولة الرسمي، ونحن في السودان لدينا تجارب ثرة في هذا المجال.. فلدينا مثلاً جيش رسمي لا يرى حرجاً في أن تسانده قوات دفاع شعبي، ولدينا شرطة رسمية بجانبها شرطة شعبية، وقس على ذلك.. فيمكن للمجتمع أن يقوم بوظائف دبلوماسية لاسيما في دول المهجر، ولاشك أن الدبلوماسية الشعبية أكثر حرية بينما نجد أن الدبلوماسية الرسمية محكومة بقوانين وأعراف تقيّد حركتها، كما أن دائرة العمل الدبلوماسي الشعبي تتسع لتشمل مجالات فنية ورياضية يمكن أن يكون لها «أثر سحري» في فتح مجالات العلاقات الخارجية، ولا ننسى أن زوال التوتر الدولي بين المعسكر الغربي الرأسمالي والشرقي الشيوعي بدأ بنشاط رياضي كما هو معلوم. ظهرت مؤخراً فتاوى ربما هي غريبة، هل برأيك يمكن أن تخدم المصالح العامة؟. - لو علمنا أن الفتوى إنما تمثل رأي صاحبها مهما كانت استدلالاته بالنصوص، فليست للفتوى قدسية لأنها قابلة لأن تكون صواباً أو خطأ وربما يفتي الفقيه في قضية ثم يرجع عن رائه، كما كان يقول أئتمنا السابقون، لكن بعض علمائنا الآن صاروا يعتبرون أن رأيهم هو حكم الله وكثيراً ما تجد عبارات مثل أنت تسأل والإسلام يجيب.. كأنما المفتي هو الإسلام.. إذا ما فهمنا هذا المعنى واتفقنا عليه فإن المفتي سيصير أكثر تواضعاً بأن يحترم فتاوي غيره وآراءهم ولا يتعصب لرأيه أو مذهبه هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى فإن المتلقي للفتوى فرداً كان أو جماعة ينبغي أن لا يكون رد فعله على الفتاوى ليس بتلك الحدة والتشنج لأنه إنما يستمع إلى قول لا إلزام فيه ولا قدسية له.. إلا أن يكون حكماً قضائياً في بُعدٍ يأتي إلزامه عن طريق القانون واختيارات الدولة الفقهية، بالإضافة إلى ما سبق فلا ينبغي أن نقحم الفتاوى في قضايا سياسية تقديرية تحكمها معطيات ربما لا تكون متوفرة لدى المفتي، ومن ذلك فتوى بعضهم بعدم جواز سفر الرئيس إلى قطر عقب قرار الجنائية.. وأخيراً أقول على من يفتي أن يتثبت وأن يرتب أولويات ما يفتي فيه، فالقضايا تتفاوت أهميتها وتأثيرها على الفرد والمجتمع. وماذا عن الفوضى الأخلاقية وسط الشباب ثقافياً، وربما شكلاً وموضوعاً بسبب الغزو الفكري، كيف تُحقق لهم رغباتهم مع الحفاظ على قيمهم وأخلاقهم؟ - للشباب همومهم، وتختلف توجهاتهم الثقافية وحاجاتهم الحياتية في مناح كثيرة عن الأجيال التي تكبرهم.. وعلى الدعاة مراعاة هذه الفروق في الخطاب.. فرسولنا الكريم عليه السلام كانت تختلف نصائحه وخطبه..ألا ترى كيف خاطب سيدنا يوسف عليه السلام صاحب السجن من خلال همه وحاجته وكذلك سليمان عليه السلام كيف أوصل دعوته لبلقيس بتعرضها لصدمة قوية في العمارة والبناء. علينا أن لا نلوم الشباب لما رأيناه منهم في وفاة الشاب المرحوم محمود عبد العزيز بقدر ما نلوم الدعاة الذين عجزوا عن اجتذاب الشباب بوسائل قريبة من طرق تفكيرهم، بل كان من الممكن استغلال ذلك الفنان ذاته في الترويج لما نريد من رؤى وأفكار، ولا نقوم بذم الآخرين ونستفزهم دون أن نقدم بدائل راشدة مواكبة للمراحل العمرية والأوضاع الاجتماعية التي يعيشها الشباب ونحن في حاجة إلى تطوير خطابنا الدعوي شكلاً ومضموناً وهذا تحدٍ كبير يحتاج لتضافر لجهود فكرية وفقهية عميقة.