مثلما ذكرتُ من قبل في كثير مما أكتب، فإنني أبدأ يومي بعد أداء الواجبات والفروض والطقوس اليومية، بالإطلاع على أخبار الدنيا من خلال الشبكة العالمية للمعلومات، وأتابع من خلالها الوكالات والصحف ومقالات الكُتّاب والحوادث والقضايا والحوارات، وهذا طقس يومي يستغرق مني وقتاً لا أحسبه قصيراً بأية حال من الأحوال. وأمس - وكالعادة - طفت على كثير من مواقع الصحف الأجنبيّة والعربيّة، قبل أن أتحوّل إلى متابعة نشرة أخبار السابعة في الإذاعة السودانية، وتوقّفت عند صحيفة «الحياة» السعوديّة، التي تصدر من «لندن»، مع مقال ممتع للكاتب الأستاذ عبد العزيز السويد، ولفت انتباهي عنوان المقال: (أحياناً... «العجّاز» يعلم الغيب)، ولم أفهم العنوان، لذلك دخلت مباشرةً إلى المقال فقرأت وفهمت.. وضحكت، ووجدت أن العنوان هو مثل خليجي سعودي يقال للمتقاعسين والكسالى والعاجزين الذين لا يقدّمون شيئاً لوطنهم أو لأهلهم، بل يفرون من تحمّل أي مسؤولية مرتجاة أو عمل مبتغى منهم، ولم أجد للمثل ما يقاربه في المعنى من أمثالنا السودانية، سوى ذلك المثل الذي يقول: «لا بطقع لا بجيب الحجّار».. وأرجو إذا عرف أي منكم ما يقارب المثل السعودي في المعنى أن يكتب به إلينا. المثل ناقد للمتقاعسين والعاجزين، والقضية عامة تلقي بظلالها على كلّ أنحاء وطننا الكبير.. من المحيط الى الخليج.. لذلك نهدي ما كتبه الأستاذ عبد العزيز السويد لقراء هذه الزاوية، برجاء الفائدة.. والإفادة معاً. أحياناً... (العجّاز) يعلّم الغيب، هذا مثل شعبي ظريف لطيف وساخر، أول ما سمعته (كش) جلدي، فلا يعلم الغيب إلا الله تعالى، ثم بعد أن استوعبت المقصود ضحكت من الأعماق، والواقع أنني لم أتعرف على المثل الظريف إلا أخيراً، قصوراً مني بالطبع. كانت المناسبة نقاش اقتراح لحل قضية مؤرقة تهم كثيراً من الناس لا مجال لذكرها الآن، لعدم رغبتي في (تعقيد الشوش)، من الشوشة أي الشعر المنفوش. وكما ترى عزيزي القارئ فإن (شوش) الأجهزة الحكومية (تمعط) من كل جانب. والمعنى في المثل، أن من لا يريد العمل لإصلاح أمر معوج، سواء كان فرداً أم جهازاً، سيجد من الأعذار الكثير، لذلك حينما تطرح عليه فكرة يمكن تحقيقها لاختراق غلالة تحجب الهواء عن الجهاز التنفسي للمجتمع يكون جاهزاً بالرد، لا يمكن ولا يصلح ولن ينجح، أو يرمي بالمسؤولية على جهة أخرى... ابتعاداً عن (وجع الراس)! ثم يعدّد كل العقبات المتوقعة وغير المتوقعة وكأنه يعلم الغيب! على رغم أن كل الأفكار الجديدة لم تظهر على السطح إلا بسبب وجود عقبات، والفيصل هو علو الهمة والعمل على التجاوز. والعجّاز من العجز، وهو الشخص العاجز برغبته، ومنه (التعيجز) وهي حال أفضل من العجاز بمعنى (فيه رجاء)، ويمكن أن يكون العجّاز هنا، وزارة أو هيئة اتصالات أو هيئة مال أو بيئة على سبيل المثال لا الحصر. الحصر هنا صعب لأن كل قطاع لدينا في حاجة إلى عمل كبير مبادر يزداد حجم الحاجة له مع مرور الوقت، والعجّاز الفرد أهون ضرراً من العجّاز الجهاز. الفرد نتائج عجزه على نفسه، أما الجهاز أو الإدارة والوزارة فعجزها يطاول وطناً ومجتمعاً بأكمله. وأسوأ فئات (العجّازين) من الأجهزة الحكومية وشبه الحكومية الذي يكون عجزه ستراً وحاجزاً عن تسليط الضوء على عمله، الأضواء تكشف المخفي قدرةً أو عجزاً. هذا النوع يتستّر بالأعذار ليبقى وضعه كما كان عليه، غير عابئ بمسؤوليات هي من صلب عمله، لِمَ لا والوضع مناسب بالنسبة إليه (سهود ومهود) فلا يعنيه غير ذلك. ولو فتّشت ستجد كثيراً من الأجهزة (العجّازة) لأنها تعلم الغيب! عبدالعزيز السويد