ونحن نستعرض ونحلل قانون الإنتخابات الحالي، على ضوء التجربة العملية، لهذا القانون، في انتخابات العام 2010 التشريعية والتنفيذية، وحيث أننا ما زلنا نتحدث عن النصوص المتعلقة بالحملات الانتخابية، يَجدُر بنا التوقف قليلاً عند واحدة من المسائل المعقدة، والتي أثارت لغطاً كثيفاً، وكانت مدخلاً للنقد المرير من قِبل القوى السياسية المعارضة، وعدد غير قليل من المراقبين المحليين والدوليين، ومن بين هؤلاء الخبير البريطاني الذي كلفته الأممالمتحدة- (الصندوق الانمائي) مع شخصي المتواضع، لاعداد دراسة نقدية للتجربة الانتخابية الأخيرة . ü المسألة المعنية هي المنشور الذي أصدرته المفوضية القومية للإنتخابات لتنظيم النشاط الحزبي، داخل وخارج دور الأحزاب السياسية، إبّان الحملة الانتخابية، ولقد نقلت المفوضية الضوابط التي أصدرتها قيادة الشرطة، وشملتها في المنشور المذكور، والذي فرّق بين نوعين من الأنشطة السياسية، نشاط داخل دار الحزب وهو لا يحتاج إلا لمجرد إخطار الشرطة المختصة في الدائرة دون ربط ذلك بالحصول على تصريح أو إذن، والنوع الثاني من النشاط هو ذاك الذي يجري خارج مقر الحزب وهذا يحتاج إلى موافقة كتابية من قِبل السلطات الأمنية، ومن الواضح أن القصد من هذا القيد كما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الشرطة وقتئذٍ، هو التأكد من أن الحراك المزمع القيام به، لن يشكل تهديداً للأمن، وأضاف الناطق الرسمي أن معرفة السلطات الأمنية سلفاً بمواعيد وأمكنة النشاط السياسي مثل الليالي السياسية، أو المهرجانات الخطابية، قد يكون في صالح منظمي النشاط أنفسهم، لتوفير الحماية اللازمة لهم من أي تحرش أو اعتداء قد يقوم به خصومهم. ü من الناحية النظرية فهذا تبرير معقول، ولا يمكن لأي دولة في العالم أن تسمح بنشاط يهدد الأمن دون ضوابط وقيود، بل إن الاتفاقيات الدولية للحقوق المدنية والسياسية، أباحت تقييد ممارسة الحريات العامة بما فيها حرية التجمع والتظاهر، وفق الضرورات التي توجبها في المجتمع الديمقراطي دواعي حماية الأمن القومي، أوالصحة العامة، أوالنظام العام، أو حريات الآخرين، بيد أن المشكلة- كالعهد دائماً- تتعلق بالتطبيق العملي، وحسن النية من قِبل السلطات الحكومية، للضوابط والقوانين المنظمة للنشاط السياسي المعارض، أو الانتخابي المنافس. ü ولتوضيح هذه النقطة بجلاء تام، نقول إن على السلطات الأمنية أن تتعامل بحيدة تامة مع جميع الفرقاء السياسين، وأنه ليس مقبولاً أن تُعطل هذه السلطات، وتعرقل الحملات الانتخابية للمعارضين، بدعوى احتمال تعكير صفو الأمن، وتتخذ هذا الستار زريعة لانتهاك حقوق هؤلاء الدستوريين، بمعنى آخر أن المعيار الذي يجب اعماله هو المعيار الموضوعي، وليس المعيار الذاتي الخاضع للأهواء والضغوط، واذا قررت السلطات عدم السماح بنشاط اثناء الانتخابات أوبعدها، فيجب أن يكون ذلك لأسباب قوية مكتوبة، ويجوز للمتضررين الطعن في قرارات الأجهزة الأمنية أمام قضاء مستعجل، وعلى المحكمة أن تلغي أي حظر على النشاط السياسي لا يكون مسبباً ومدعوماً بالشواهد. ü وأذكر إبان عملي كمسجل للأحزاب السياسية، أن قُدم إليّ طعن من أحد الأحزاب ضد لجنة أمن إحدى ولايات الشرق، لأن هذه اللجنة ظلت ترفض باستمرار عقد المؤتمر العام للحزب على المستوى الولائي، وتُبدل في مواقيته وأماكنه بدعوى الحفاظ على الأمن والنظام العام، وقمنا بمخاطبة الوالي المعني ننبهه إلى خطورة هذا المسلك، إذ كيف تكون ممارسة حزب سياسي مسجل لحقوقه الدستورية والديمقراطية، وعلناً وفي داخل مقره مدعاة لتهديد الأمن وإثارة الفتنة، وقلنا للسيد الوالي يمكنكم وضع الضوابط وأخذ التعهدات من منظمي المؤتمر، لكن لا يجوز لكم منعه. نواصل الأسبوع القادم بمشيئة الله