عقارب الساعة تشير الى الحادية عشر والنصف مساء الخميس الثاني عشر من شهر ديسمبر عام الفين و ثلاثة عشر .. قناة النيل الازرق تبث برنامجاً حوارياً مع الشيخ المهندس الصافي جعفر .. الحلقة اذ تشارف نهايتها طلب المحاور من ضيفه أن يوجه للمشاهدين كلمة اخيرة.. روى الضيف الحكاية التالية: (قام اعرابي باجراء معاملة تجارية مع يهودي وتم تحرير صك بها .. فقد الاعرابي الصك مما يعني احتمال فقدان حقه في المعاملة .. ففكر في اللجوء الى احد شيوخ الدين لايجاد حل لهذه المشكلة .. تردد الاعرابي الى مجلس الشيخ ثلاثة ايام متتالية مترددًا في عرض الأمر عليه .. تجرأ في اليوم الرابع و فاتحه طالباً منه أن يدعو له الله ليجد الصك .. طلب الشيخ من الاعرابي أن يذهب و يشتري له حلوى .. بعد ذهاب الاعرابي دعا الشيخ الله أن يجد الاعرابي الصك المفقود .. شاءت قدرة الله أن تكون الورقة التي تم لف الحلوى بها هي الصك المفقود)!!. انتهت الحكاية .. صعقت.. فا لحكاية (واسعة حبتين) و«ما عدناش ناكل من الكلام دا» كما يقول الاخوة المصريون .. اتق الله فينا ياشيخ فلقد انتهى زمن الضحك على الناس، والاستخفاف بالعقول .. وطافت بذهني واقعة شبيهة حدثت قبل عامين .. وعلى وجه اليقين وقعت في نفس اليوم الذي انتهت فيه دورة سيكافا التي خسر المريخ فيها بطولتها .. في غمرة دهشتي مما سمعت من تبريرات المحللين والمعلقين لفقدان الفريق للبطولة عقب المبارة قامت ذات القناة ببث برنامج حواري مع أحد رؤساء تنظيمات الشركات العاملة في نقل الركاب بين المدن من الميناء البري .. بعد أن شكا من ضعف عائدات استثمارات شركات نقل الركاب والمصاعب التي تعانيها في سداد قروض المصارف .. قام بافادة محاورته والمشاهدين كيف أنهم ابتكروا فكرة جديدة لتحسين عائدات منشآتهم سماها «التداول» .. وتكرم بشرح الفكرة التي تنطوي على تشغيل «البصات» بالتناوب.. أي أن تعمل كل شركة بعض من ايام الاسبوع وتتوقف في اخرى .. في واقع الأمر كان الرجل يتحدث عن انشاء (cartel) .. و(الكارتل) يعنى احتكار مجموعة من الشركات و الأفراد لسوق ما .. وعبر التحكم في حجم العرض انخفاضاً وارتفاعاً يتم التحكم في أسعار البيع النهائية .. من أشهر الكارتلات التي عرفها التأريخ البشري كارتل منظمة اوبك .. ومن أقدم الكارتلات في السودان كارتل صناعة الثلج الذي ساد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي .. تذكر الاجيال القديمة كيف كانت اسعار الثلج ترتفع في فصل الصيف، و تنخفض في أشهر الشتاء .. ومن أحدثها كارتل سوق الخضر الذي تتجلى مظاهره في اسعار البيع الموحدة في كل الأسواق .. لا تشريعات تحمي المستهلكين من شرور الاحتكارات.. و لأننا مهمومون بما نراه من تبديد للموارد والوقت تسألت كم يا ترى تكلف دقيقة من البث التلفزيوني قبل رفع اسعار المحروقات وبعد ذلك؟؟.. على وجه العموم .. لم يكن الأمر بهذا السوء كله فلقد توفر لنا سبب كاف للامتناع عن مشاهدة قناة النيل الازرق، كما امتنعنا من قبل عن مشاهدة مباريات كرة القدم المحلية التي لا نرى صلة لها بهذا النوع من انواع الرياضة رغم اهتمامنا بالبحث العلمي في اقتصادياتها و فوائدها.