ü راشد أوشي صحافي نشط ومراسل مثابر، عملنا سوياً عندما انضممت لقيادة الغراء «السوداني» نائباً لرئيس تحريرها ومالكها السابق الأستاذ محجوب عروة.. راشد يتحرى دائماً الدقة والمصداقية في تقاريره وأخباره، وأمس الأول الاثنين وافى الزميلة «الرأي العام» بتقرير مهم نشرته بالصفحة (15) المخصصة لأخبار وأحوال الولايات. ü حمل التقرير عنوان «طرق كوستي وربك.. أكثر من عقبة» وهو عنوان مخفف بالنظر لما حمله التقرير من حقائق صاعقة وكوارث وبلاوي تنبيء عن حالة «الدمار» وليس فقط التدهور الذي يعيشه «بحر أبيض» وولايته، التي ليس لها من مقومات «الولاية» إلا الاسم. ü أول هذه الحقائق أن هذه الولاية ا لتي تعتبر المنتج الأكبر للسكر- كنانة وعسلاية والنيل الأبيض والبقية تأتي- والمتخمة بالثروة الحيوانية والمشاريع الزراعية، مع موقعها الإستراتيجي الأهم في خريطة السودان القديمة والحديثة، كونها «صرة الوطن» الرابطة بين شرقه وغربه وشماله و«جنوبه المنفصل»، هذه الولاية لم يعد بمقدورها بناء طريق واحد من مواردها الذاتية، كما حجب عنها المركز في الخرطوم المدد.. من يصدق؟! ü تقرير أوشي حمل إلينا الحقائق أو المصائب التي تعيشها الولاية كما يلي: ü منذ العام 2006- أي قبل (8) سنوات- قررت الولاية طرح شبكة الطرق الداخلية في مدنها الكبرى كوستي وربك والدويم في عطاءات للتنفيذ، بطول (100) كيلو متر، لا أكثر، بكلفة 250 مليون جنيه حينها.. ووقع العطاء على شركتي (مام و وارج). ü حتى حلول العام (2012) أي بعد (6) سنوات على رسو العطاء لم ير أي من تلك الطرق المقترحة النور، وظل الناس وعرباتهم ودوابهم يزحفون على التراب ويتجشمون الحفر وحالهم يغني عن سؤالهم.. لن نتحدث عن الإنارة والمجاري والخدمات الصحية والتعليمية فتلك «رفاهية» لا يحلم بها انسان بحر أبيض في المدى المنظور على الأقل. ü في اكتوبر من العام الماضي وقّعت حكومة الولاية عقداً مع شركة جديدة، بعد أن يئست الشركتان الأوليان وخرجتا من «اللعبة السخيفة» التي تمارسها قيادة الولاية، سأقول لكم عن سخف هذه اللعبة لاحقاً، لأنها لعبة تدمي القلوب. ü العقد الجديد مع الشركة المسماة (زادنا) جاء أكثر تواضعاً وحدد «الهدف» ب(70) كيلو متر، أي بخصم (30%) من الخطة الأصلية، لكن «الهدف» الجديد ربطه الوالي يوسف الشنبلي- في تصريحات صحفية بكل قوة عين- بما أسماه ب«انفاذ المشاريع التنموية في إطار برنامج المؤتمر الوطني الانتخابي القائم على استكمال النهضة» كما قال.. يعني ليس من أجل انسان الولاية المحروم والمطحون، ولكن «لهدف» آخر.. هدف سياسي لخدمة حزبه، الذي هو «برنامج المؤتمر الوطني الانتخابي».. تصوروا..!!! ü ولكن من أين لحكومة الولاية «الوطنية» أو لحزبها الذي يمثله الوالي الشنبلي بالمال «لاستكمال النهضة» وانجاز برنامج الحزب «ليعرض ويبشِّر» به في الانتخابات القادمة.. هنا تبرز «اللعبة السخيفة» والمخيفة في آن معاً، فاحبسوا انفاسكم وانتظروا روايتها في تقرير راشد. ü وزير المالية «الحافظ عطا المنان» أوضح من جهته أن الكلفة الاجمالية للعقد الجديد لتنفيذ السبعين كيلو متر والذي يشمل إلى جانب سفلتة الطرق انشاء ميناء بري في كوستي وربك بلغت (165) مليون جنيه.. لكن من أين للولاية المفلسة و «الداقة الوطاة» بثمن السفلتة فتشريها.. فتفتق ذهن القائمين عليها إلى «اللعبة السخيفة» المخيفة.. فبحسب الوزير عطا المنان فإن العقد ينص على أن تُمنح الشركة (المنفذة) قطع أراضي في كوستي وربك ضمن خطة «الأرض مقابل التنمية»- على وزن «الأرض مقابل السلام»- هل تتذكرون القرار الدولي (242) لحل الصراع العربي الاسرائيلي؟ فعلى مواطني النيل الأبيض أن يتنازلوا عن أراضيهم المملوكة والمسجلة إذا كانوا يريدون تنمية طرقهم أو أي خدمات أخرى من حكومة الولاية أو الدولة!! ü لكن حتى بعد أن فرض الشنبلي و أعوانه هذه اللعبة أوالمعادلة السخيفة على أهل الولاية، بحكم الدعم الذي يلقونه من المركز، لأنه يفعل ذلك من أجل الحزب وليس لمصالح أهل بحر أبيض، وفي «إطار البرنامج الانتخابي»، فإن اللعبة قد تعثرت أيضاً لعدم الخبرة وتدني كفاءة اللاعبين، فهم ليسوا بمهارة وجدارة رصفائهم بالمركز الذين هكذا يفعلون.. فالتقرير يقول: «لكن خلافات قد برزت للسطح بشأن شهادات البحث للأراضي و دفع (التعويضات) لملاك الأراضي أدت لتعطيل سير العمل».. وبعد لت وعَجِن وفي مارس الماضي القريب، عادت شركة (زادنا) للعمل في طريق كوستي- ربك، المثال الأبشع لتردي الطرق على مستوى السودان، بعد أن تمكنت حكومة الولاية من «تسوية الخلافات» مع الشركة والاتفاق على «التعويضات وايجاد أراض بديلة» على أن يتم التنفيذ خلال (20) شهراً كما قال عطا المنان.. والطريق بحسب ما رأيته وسرت عليه مئات المرات لا يزيد كثيراً عن (30) كيلو متراً، ويمكن تنفيذه بواسطة شركة كفؤة في (شهرين) لا على الأكثر!! ü خلاصة الأمر أن ولاية النيل الأبيض، هي أكثر ولايات السودان تهميشاً، بالرغم من كل ما تزخر بها أرضها وبحرها الأبيض من خيرات، وبرغم قربها الشديد من مركز الحكم حيث تبدأ من جبل أولياء وانت طالع جنوباً، فلم يصح فيها قول المثل «القريب من العين قريب من القلب»، فهي الأبعد عن إهتمام الخرطوم ورعايتها، ومن أسف لم يقدم لها الحزب الحاكم يوماً والٍ يهمه أمر أهل الولاية.. فالوالي هناك- خصوصاً هذا الأخير- اكبر همه هو ضمان استمراره عبر إرضاء أجندة الحزب الحاكم في الخرطوم، لدرجة أن يعلن على رؤوس الأشهاد بلا أدنى حساسية، للتنوع السياسي والإثني الذي يطبع الولاية، أن تنفيذ المشاريع سيستمر «في إطار البرنامج الانتخابي لحزب المؤتمر الوطني»، و«الوطني» ليس هو من يقدم المال اللازم لهذه المشاريع من حسابه الخاص- الذي هو أيضاً بطريق أو آخر من مال الدولة والمواطنين حتى لو تبرعوا- ولكن بنزع الأراضي من ملاكها وتقديمها للشركات لتعبيد الطرق وانجاز بعض الخدمات لأجل سواد عيون «الوطني» وبرنامجه الانتخابي.. «تنزع الأراضي من أهلها بملالين وتحول قيمتها للشركات بالملايين»، ويكفينا للتدليل على هذا ذلك، الرقم الذي أورده التقرير والقائل- بحسب عطا المنان- أن الدفعيات للشركة المنفذة بلغت حتى الآن وبعد تسوية الخلافات (104 ملايين جنيه منها 12 مليون و 600 ألف عبارة عن تعويضات لملاك الأراضي).. هل تتوقعون لعبة أسخف من هذه التي طالعتموها وطالعناها معاً في هذا التقرير الأخباري الصادر من بحر أبيض؟ لا أظن..! انها لعبة من «دِقنُو وفتِّلو» أو من «أرضو وسفلتلو» والشكرة أولاً وأخيراً ل«حماد المؤتمر الوطني».. وقلبي على وطني الأصغر «بحر أبيض»!