تأخرنا بكل أسف، الأستاذ عبدالعظيم صالح وشخصي، فافلتت فرصة لنباهي ونعتز بأننا سبقنا الحكومة في عرض مبادرة جامعة لأهل السودان وقابلة للتطبيق، كما ظهرت بقاعة الصداقة الاسبوع الماضي.. كنت أدرك أن الأحداث تترى لينسى بعضها بعضاً كما نرى فاحتطت للأمر وحرضت عبدالعظيم ليسجل هذه(المبادرة) لدي الملكية الفكرية حتى لا ينازعه فيها أحد، ثم أنه لربما احتاج يوماً لاصدار(صحيفته الخاصة) فهذا شعارها.. أنها مفردات بليغة أطلقها بكل بساطة عبر مقالة أعقبت إحدى الكوارث فشخص المعاناة وعبقرية جهد الناس لتجاوزها ذاتياً قائلاً انه (المجتمع يصنع دولته).. استوقفتني العبارة كمهتم بأطوار المجتمع ونوهت الى إني سأكتب عنها لكني تأخرت..إنها تحمل مواساة لأهل السودان وفيها معنى التعلم من هذه الأزمات..رأيت أن اتناول الموضوع لأبلغ به منتهاه، وهو تأسيس دولة تشبه المجتمع وتتخلق بأخلاقه، وتمكن الأجيال الجديدة من أن تعمل وتحقق أمجادها الخاصة بها، وصلاً لما حققه الآباء الأماجد..ألم تكن مسيرة التحرر الوطني وأعظم المشاريع مبادرات مجتمعية وصحفية؟.. الإجابة معلنة في رسالة عن دور الصحافة السودانية في استقلال البلاد مازال صاحبها الدكتور صلاح محي الدين يسعى لنشرها حتى تعطل أحد ساقيه فلزم داره، لكن الفكرة هكذا تراود أجيال متعاقبة من الصحفيين الغيورين على نهضة بلادهم.. وكم من أمثلة ملموسة من رصيد كفاح الأجيال في مواجهة المستعمر تقيم الحجة على ريادة العمل الطوعي والأندية الاجتماعية والكيانات الدينية والصحافة الحرة، فهي قد شكلت فعلاً ترياق التحررالوطني، ومازال ينتظرها هذا الدور والبلاد تتعرض لشتى أساليب الاستهداف. كنت موقناً أن أية مبادرة حول فكرة(المجتمع يصنع دولته) ستثير الاهتمام وتجدد دور الصحافة في اشعال المبادرات التي تصلح حال العباد والبلاد.. هناك مبادرات للصحافة والإعلام لا تنسى في شتى المجالات والأزمنة.. نحتاج لحصرها لتمضي الأجيال الجديدة في ذات الطريق.. فالى جانب اهتمام الصحف والوسائط الحديثة بالخبر والتنوير وكشف الفساد، فهي معنية بريادة مسيرة البناء والنهضة وصون الحريات. إن هذا الدور الصحفي والإعلامي يتجدد مع تجدد الشدائد ليرينا كيف يخرج المجتمع (شايل نفسه) يتبين أمره، يساند بعضه بعضاً في صورة تأخذ شكل الدولة المتماسكة القادرة على ابتداع الحلول لأعتى المشاكل.. ففي خضم الأمطار نكتشف أن المجتمع هو الأدرى بالبيئة حوله وبالمخارج والحلول، مهاراته حاضرة وأدواته في يده.. تصريحاته للوكالات والقنوات هي الأبلغ والأكثر مصداقية.. علينا بتأمل صورة ما حدث إبان الأمطار، وذلك الحراك الجماعي المندفع نحو الجذور لتفقد الأحوال.. تواصل اجتماعي عجيب تشكل كالظاهرة بين رمضان والعيد والخريف والنيل. هناك ظواهر تسيطر على المشهد الآن.. الزمن يسرع ليكشف عن أجيال جديدة تتزاحم.. الكل يبحث عن ذاته وبصماته.. في هذا السياق المفارقات تتداعى تضع الناس أمام امتحان يومي، وتستدعي التأمل في كل شيء ومنه مظاهر التحول في المجتمع السوداني، ريفه وحضره.. الى أين؟. إن الصورة المتاحة في خضم الأحداث المتكررة يغلب عليها طابع السباق والصراع.. المصالح الخاصة مقابل هاجس القيم.. الإيجابيات مقابل السلبيات والتنازلات واختراق الهوية.. هل من حلول؟.. هناك دراسات وتوصيات كنا أهملناها.. وهناك حكماء ودعاة للاستعصام بالقيم وبكلما هو متفق عليه.. الثوابت لا خلاف حولها ومنها أن(المجتمع يقود الدولة) فلنتركه يعمل، وندعمه.. سنكتشف أنها مسألة استراتيجية انتهى اليها ملتقى للحوار الوطني عام 1991م مادمنا عدنا اليها هلا راجعنا أنفسنا وحاسبنا المقصر؟. قيادة المجتمع للدولة فهم متقدم.. قديماً روج لها ابن خلدون، ومظاهرها في مجتمع أهل السودان مسلم بها مما أعان تلاقي الاسبوع الماضي على استدعاء المدخر من موارد بشرية ومادية ومعنوية ماثلة في المنظمات الطوعية، التعليم ، التكافل، المساجد، الاغتراب، الصحافة والإعلام، حرية الرأي، الشفافية، الثورة على الفساد، إصلاح القوانين، تجديد المناهج، وتحريك المبادرات لتثمر.. وهذه الأخيرة هي بيت القصيد. الرئيس قالها صراحة معولاً على (الفعل) لا غيره.. (على مؤسسات الدولة تقديم كافة الدعم والمعينات لهذه الشرائح حتى تتمكن من وضع رؤيتها للحوار وصياغة الرؤية الاستراتيجية لتجسيد وثيقة التوافق الوطني: السلام، الاقتصاد، الحكم والإدارة، الهوية، والعلاقات الخارجية). تحدث الرئيس وعينه على ما ادخر مجتمع أهل السودان وقد خبره بحكم ممارسة الحكم، ومما تجلى في الأزمات والشدائد..إنها شهادة مستحقة يدعمها رأي عام ماثل الآن من تحت انقاض الكوارث يؤكد أن (المجتمع بخير).. فقط دعوه يعمل بحرية.. يتشكل بسجيته ووفقاً للقانون.. يبني دولته ومجده.. ويتوكل..و.. شكراً أيها الصحفي المهموم بقضايا المجتمع (عبدالعظيم صالح) هذا ما أوحي به قولك الحكيم (المجتمع يصنع دولته).. وإني أراه بذلك يصنع أمجاده.. وأي شىء هو المجد؟.