وما زلنا نتجول في بلاد الكفار الأبالسة المغسولة شوارعها بالجليد.. المكسوة حدائقها بروعة العشب الأخضر.. الفاردة ذراعيها لمواطنيها وهي تضعهم على كفوف الراحة.. وتفرط مظلة الأمن والأمان لشعبها وحتى لحيواناتها.. هناك الانتخابات هي واجب وطني مقدم على كل واجب.. هناك يستوحي الناخب فقط رقابة ضميره ووطنه الذي تديره برلماناتها المهيبة.. هناك لا صوت يعلو فوق صوت البرلمان.. هناك يحاسب البرلمان الحكومات حساباً عسيراً.. هناك يستطيع البرلمان أن يقتلع الحكومة من جذورها.. وهناك يطيح البرلمان برؤوس مهما كانت يانعة وخبيرة.. البرلمان هو الذي يقرر دخول حرب أو الامتناع عن خوض حرب.. وقبل سنوات قليلة.. طلب رئيس وزراء بريطانيا من البرلمان طلباً محدداً وواحداً وهو الاشتراك مع أمريكا في طلعات جوية على قطر شرق أوسطى.. فحص النواب الطلب.. تدفقت الأحاديث مجلجلة في فضاء القاعة.. ثم أجرى التصويت.. رفض البرلمان طلب رئيس الوزراء.. فانصاع رئيس الوزراء لقرار البرلمان.. وكان لابد أن ينصاع «ولا على كيفو». شاهدت مرة وعبر القنوات المنفتحة على كل الكوكب.. شاهدت رئيس الوزراء «توني بلير» وهو «مزرور زرة الكلب في الطاحونة» عندما تكشف لكل الدنيا أن العراق لم يكن يمتلك أسلحة ذرية، ورغم ذلك فقد اشتركت بريطانيا في الحرب ضد العراق.. هاجم النواب «توني بلير» هجوماً أشد هولاً من صرصر العاتية.. نهضت عضوة في البرلمان بعد أن طلبت الإذن بالحديث.. ثم وجهت حديثها مباشرة لرئيس الوزراء «توني بلير» وأمامه تماماً وفي «وجهه» مباشرة «سيدي الرئيس هل توافقني الرأي إنك كاذب ومخادع ومخاتل».. هنا نهض رئيس الوزراء وفي كلمات محدودة ومعدودة وفي هدوء تام قال «لا أوافقك الرأي أيتها النائبة المحترمة» ولم أشعر إلا وكفي تدوي بالتصفيق.. وما زلت أتجول في برلمانات الكفار.. وأرجو أن تتجول صديقي القاريء معي.. هناك لن تجد برلماناً واحداً بلا معارضة.. هناك لن تجد حزباً واحداً مهما كان تاريخياً وقوياً ومنيعاً يملك أكثر من 06% من عضوية البرلمان.. ثم الانتخابات الرئاسية.. أمريكا مثالاً.. تبدأ الانتخابات منذ وقت مبكر من إجرائها.. أروع وأدسم وأفخم ما فيها هو تلك المناظرات التي تجرى بين المتسابقين.. هناك وفي الهواء الطلق الذي يملأ استديوهات القنوات.. والتي يشاهدها كل العالم وطبعاً يشاهدها الناخب الأمريكي المستهدف أصلاً لأنه هو الذي يقرر من سيكون رئيسه القادم.. هناك لا وعود مستحيلة ولا أماني وأحلام «مبهولة» كل المناظرة عن الشأن العام، كل الحديث عن الصحة والتعليم.. عن التضخم وحياة المواطنين.. وطرق خفيف وملامسة ناعمة ومحطة أو «سندة» لا يتوقف عندها قطار المناظرة إلا يسيراً وهي الشأن الخارجي الذي لا يهم المواطن الأمريكي في قليل أو كثير هناك تنتخب الحكومات عبر النواب فقط من أجل حياة الناس ورفاهية الشعب، وجعل الحياة أكثر سهولة ونعومة إن لم تكن حياة مرفهة ومخملية ومترفة.. بكرة نتلاقى لنعود إلى الوطن والانتخابات عندنا..